وأخرى : لا يلزم من التعبد بمؤدى الأصلين العلم التفصيلي بكذب ما يؤديان إليه (١) بل يعلم إجمالا بعدم مطابقة أحد الأصلين للواقع من دون أن يتوافقا في ثبوت ما علم تفصيلا نفيه أو نفي ما علم تفصيلا ثبوته ، بل لا يحصل من التعبد بمؤدى الأصلين إلا العلم بمخالفة أحدهما الواقع ، كما في الأصول الجارية في الموارد التي يلزم منها التفكيك بين المتلازمين الشرعيين أو العقليين ، فإنه لا يلزم من استصحاب طهارة البدن وبقاء الحدث عند الوضوء بمايع مردد بين البول والماء أو من استصحاب بقاء الحياة وعدم نبات اللحية العلم التفصيلي بمخالفة ما يؤديان إليه ، لأنهما لم يتحدا في المؤدى ، بل كان مؤدى أحدهما غير مؤدى الآخر ، غايته أنه يلزم من جريانهما التفكيك بين المتلازمين ، بخلاف استصحاب النجاسة أو الطهارة في كل من الانائين ، فان الاستصحابين متحدان في المؤدى مع العلم التفصيلي بالخلاف.
فالفرق بين القسم الأول والثاني مما لا يكاد يخفى ، والذي منعنا عن جريانه في أطراف العلم الاجمالي هو القسم الأول ، لأنه لا يمكن التعبد بالجمع بين الاستصحابين اللذين يتوافقان في المؤدى مع مخالفة مؤداهما للمعلوم بالاجمالي.
وأما التعبد بالجمع بين الاستصحابين المتخالفين في المؤدى الذي يلزم من جريانهما التفكيك بين المتلازمين : فلا محذور فيه ، فان التلازم بحسب الواقع لا يلازم التلازم بحسب الظاهر ، لأنه يجوز التفكيك الظاهري بين المتلازمين
__________________
١ ـ أقول : لو كان المراد من العلم التفصيلي مجرد العلم بشيء ولو بعنوانه الاجمالي مثل « أحدهما » فكما أن نجاستهما ينافي طهارة أحدهما المعلومة ، كذلك بقاء الأمرين تعبدا ينافي العلم التفصيلي بعدم بقاء أحدهما. وإرجاع ذلك إلى العلم بمخالفة أحد الأصلين للواقع دون الآخر تحكم محض ومفهوم لا محصل له ، ومجرد مخالفة الأصلين للمؤدى لا يجدي في رفع المناقضة بين بقائهما مع العلم بعدم بقاء أحدهما ، إذ العقل كما يرى المضادة بين طهارة أحدهما مع نجاستهما تعبدا بتقابل التضاد ، كذلك يرى المضادة بل المناقضة بين بقاء الشيئين مع عدم بقاء أحدهما تفصيلا.