العصير أصلاً.
والذي أراه أنّ مراده بشدته ليس غلظته وثخانته ، بل المراد هو القوة الحاصلة للمسكر ، فيكون المراد منه الخمر ، ولذا لم يذكر الغليان ، ولا قبل ذهاب الثلاثين ، ورتّب زوال الشدة على الانقلاب خَلّاً.
ويؤيده : أنه في مقام ذكر الأمثلة التي يتغير حكم الطهارة والنجاسة فيها بالتغير المعنوي ، فمثّل بالإِيمان والكفر ، والموت والحياة ، ولو اُريد بالشدة الثخانة لم تكن الجواهر على ما كانت عليه ، مع أنه لم يفسّر الشدة من اللغويين أحد بالثخانة ، وفسّروها بالقوة ، والحملة ، والصلابة ، وغيرها.
ويؤيده أيضاً ، رواية عمر بن حنظلة : « ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتى تذهب عاديته ويذهب سكره » (١) وفسّرت العادية بالشدة.
ولولا أن غيره من المتأخرين الذين ذكروا العصير ذكروه بعد الخمر أو فسّروا الاشتداد بالثخانة (٢) ، لقلت : إنّ مراد جميعهم ما ذكرنا ، ويختلج ببالي أن يكون جماعة من القدماء عبّروا عن الخمر بمثل ذلك ، ولأجله وقع في العصير الخلاف.
وكيف كان ، فالحق هو الطهارة ؛ للاُصول السالمة جداً عن المعارض ، المعتضدة بأنّ العصير المتكرر ذكره في النصوص (٣) ، واستفاضتها على حرمته ، وعموم الحاجة اليه ـ حيث ليس بلد ولا قرية إلّا ويعملونه ويباشرونه ويحتاجون إليه ـ لو كان نجساً ، لكان في الأخبار من نجاسته عين أو أثر ، مع تكرر سؤال أصحابهم عن أحكامهم ، وعدم محذور ولا تقية فيه.
وأما إطلاق الخمر عليه ، فلا يدلّ بعد تسليمه على نجاسته ، ولو جاز
__________________
(١) الكافي ٦ : ٤١٠ الاشربة ب ٢١ ح ١٥ ، التهذيب ٩ : ١١٢ / ٤٨٥ ، الوسائل ٢٥ : ٣٤١ أبواب الاشربة المحرمة ب ١٨ ح ١.
(٢) كما في المسالك ٢ : ٢٤٤ ، جامع المقاصد ١ : ١٦٢ ، المدارك ٢ : ٢٩٢.
(٣) راجع الوسائل ٢٥ : ٢٨٢ أبواب الاشربة المحرمة ب ٢.