والحاجة إليها لا لمحاسبتهم فقط على مواقفهم المتخاذلة في تسجيل الأحداث بصدق كما ينبغي ، وهذا هو جزء من الحساب عليه الثواب والعقاب يوم الحساب ، لكن الذي نقف عنده ونتساءل عنه تلك المعايير المزدوجة في تسجيلهم الأحداث ، وهو الذي يسترعي الإنتباه ، وهذا ما لمسناه عند مؤرخي الوقائع التي صاحبت شهادة ( المحسن السبط السقط ) من قبل ومن بعدُ.
لذلك هم وحدهم يتحملون وزر ما يذكرون ، ولا يخفّف عنهم إصر التبعات ذكرهم اسناد الروايات ، فإنّ رجال السند أيضاً هم ناس أمثالهم ، فيهم الموثوق بروايته فيروي لنا ما يعرف ، وفيهم غير الموثوق بروايته ، فهو يهرف بما يعرف وما لا يعرف ، عن كل من هبّ ودبّ ، تبعاً لما عنده من أهواء وما لديه من انتماء ، فقد يميل عن سنن الحق وإن تلبس بلباس أهل الصدق ، غير آبهٍ أن يغضب لذلك مَن يغضب ، أو يرضى مَن يرضى ، والمهم عنده إرضاء نفسه وإشباع رغباته ونزواته ، مما شب عليه من موروث.
وهذه حال الناس في كلّ زمان ومكان ، إلّا من صَانه الله بورع يحجزه عن اتباع الهوى ، ومهما احتطنا في أخذ الوقائع من كتب المؤرّخين ، سواء من وثّق تسجيله بإسناد ، أو أرسل ذكره ، فإنّا سنختار ثلّة تتفق رواياتهم ولو إجمالاً في أصل ذكر الحَدَث ، وإن اختلفوا في السند أو تفاصيل المتن ، ومن مختلفي الشرائح زماناً ومكاناً.
كما إنّا سنقف على مجمل أحوالهم من خلال كتب الجرح والتعديل في تراجمهم ، لغرض التوثق في سياق الحجة واستبعاد التهمة عنهم.