أتراه ؟ قال : نعم ، قال : ( أما إنّي على ذلك لشديد الوجع ، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي ) (١).
إنّي وليت أمركم خيركم في نفسي ، فكلكم ورم أنفه من ذلك ، يريد أن يكون الأمر له دونه ، ورأيتم الدنيا قد أقبلت ولمّا تقبل ، وهي مقبلة ، حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج ، وتألموا الاضطجاع على الصوف الأذري (٢) كما يألم أحدكم أن ينام على حسك ( شوك السعدان ) والله لأن يُقدّم أحدكم فتضرب عنقه في غير حدّ خير له من أن يخوض في غمرة الدنيا ، وأنتم أول ضالّ بالناس غداً ، فتصدونهم عن الطريق يميناً وشمالاً ، يا هادي الطريق إنّما هو الفجر أو البجر (٣).
فقلت له : خفض عليك رحمك الله ، فإنّ هذا يهيضك في أمرك ، إنّما الناس في أمرك بين رجلين : إما رجل رأى ما رأيت فهو معك ، وإما رجل خالفك فهو مشير عليك ، وصاحبك كما تحب ، ولا نعلمك أردت إلّا خيراً ، ولم تزل صالحاً مصلحاً ، وأنّك لا تأسى على شيء من الدنيا.
قال أبو بكر : أجل ، إنّي لا آسى على شيء من الدنيا إلّا على ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي تركتهنّ ، وثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلتهنّ ، وثلاث وددت أنّي سألت عنهنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فأمّا الثلاث اللاتي وددت أنّي تركتهنّ : فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء ، وإن كانوا قد غلقوه على حرب ، ووددت أنّي لم أكن حرقت الفجاءة السُلمي (٤) ، وانّي كنت قتلته سريحاً أو خلّيته نجيحاً (١) ، ووددت أنّي يوم سقيفة بني
_____________________
١ ـ ما بين القوسين من العقد الفريد.
٢ ـ نسبة إلى آذربيجان.
٣ ـ البجر ـ بالفتح والضم ـ الداهية والأمر العظيم .
٤
ـ كان قد أتى أبا بكر فادعى الإسلام ، وطلب إليه مشاركته في جهاد المرتدين وأن
يحمله ، فحمله =