وأخيراً ـ ولا نطيل الكلام ـ فإنّ الصحابة الذين كانوا يوم السقيفة يتنازعون فيما بينهم أمر الخلافة ، لم يكونوا يجهلون من هو الأحق بالخلافة ، ومن هو الذي عيّنه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خليفة له من بعده من يوم بدء الدعوة ، كما في تفسير قوله تعالى : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (١).
وإنّما كانوا يتنازعون في الحكم والإمارة إذ لم تكن كلمة ( خليفة ) من الألفاظ التي وقعت في خواطر المسلمين ، أو جرت على ألسنتهم في اجتماعهم يوم السقيفة (٢).
يقول الاستاذ علي عبد الرزاق : ( كانوا يومئذٍ ـ يوم السقيفة ـ إنّما يتشاورون في أمر مملكة تقام ، ودولة تشاد ، وحكومة تنشأ إنشاء ، ولذلك جرى على لسانهم يومئذٍ ذكر الإمارة والامراء ، والوزارة والوزراء ... وتذاكروا قوة السيف والعزة والثروة ، والعدد ، والمنعة ، والبأس والنجدة ، وما كان ذلك إلا خوضاً في الملك ، وقياماً بالدولة ، وكان من أثر ذلك ما كان من تنافس المهاجرين والأنصار وكبار الصحابة ، بعضهم مع بعض ، حتى تمت البيعة لأبي بكر ... فكان أول مَلكٍ في الإسلام ) (٣).
ولم يتجن الرجل على أحد من الصحابة الذين يتنازعون في اقتناص السلطة ، ألم يقل الحباب بن المنذر الأنصاري : منّا أمير ومنكم أمير ؟ ألم يقل أبو بكر للأنصار : نحن الأمراء وأنتم الوزراء ؟ ألم يقل عمر يخاطب الأنصار : انّه والله لا
_____________________
١ ـ الشعراء : ٢١٤ ، راجع كتاب ( علي إمام البررة ) ١ : ٧٢ ـ ٩٢ تجد صور الحديث وهي عشر ، منها التصريح بالخلافة لمن بعده لمن يؤازره في دعوته ، وفي ثمان منها بالوصاية من بعده ، وفي خمس منها بالوزارة ، وفي ثلاث منها بالوراثة ، وفي ثلاث منها بالولاية ، ومع هذا التظافر في النقل يزعم من لا حريجة له في الدين بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مات ولم يوص ، ولم يستخلف ، ولم يول ، ولم يورث ....
٢ ـ عبد الكريم الخطيب : الخلافة والإمامة ، ديانة وسياسة : ص ٣٣٧.
٣ ـ الإسلام وأصول الحكم : ٩٢.