وحسبنا أن نتبصر قوله تعالى : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١) وكتاب الله شاهد على هذه الاُمة ، كيف لا وقد جعله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أحد خليفتين له فقال : « إنّي تارك فيكم خليفتين : كتاب الله عزّ وجلّ حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » وهذا هو حديث الثقلين (٢).
وأحاديث الحوض تكفي في التحذير من مغبة الخلاف في استحداث الأحداث ، التي أصابت المسلمين بانتكاسة بعد موته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فتنازعتهم الأهواء ، ولست أدعو إلى تحميل التاريخ ما لا يطيق ، ولا إلى تزييف الوقائع ، ولكنّي أدعو ـ والله شهيد على ما أقول ـ أن ننظر إلى ما حلّ بأهل البيت من الفجائع ، فنقول الحق من دون تمجيد الخالفين أو التنديد بالمخالفين ، ثم لنرجع البصر كرتين ، ونراجع الفكر مرتين ، لنرى أيّ الفريقين أهدى سبيلاً ، ولا نكون إلّا كفقيه المستنصرية الذي اجتمع بالنقيب ابن طاووس الحسني في مشهد الإمامين الكاظم والجواد عليهماالسلام فأبصره الحق فاستبصر ، وليكن حديثه مسك الختام ، فقد ذكره النقيب في كتابه كشف المحجة (٣) ، قال رحمه الله تعالى يخاطب ولده :
واعلم يا ولدي إنّي كنت في حضرة مولانا الكاظم عليهالسلام والجواد عليهالسلام ، فحضر فقيه من المستنصرية كان يتردد عليَّ قبل ذلك اليوم ، فلما رأيت وقت حضوره يحتمل المعارضة له في مذهبه ، قلت له : يا فلان ما تقول لو انّ فرساً لك ضاعت منك وتوصلت إلى ردها إليَّ ، أو فرساً لي ضاعت منّي وتوصلت في ردها إليك ، أما كان ذلك حسناً أو واجباً ؟
_____________________
١ ـ يونس : ٣٥.
٢ ـ الدر المنثور ٢ : ٢٨٥.
٣ ـ كشف المحجة : ٧٦.