ولم يكن الشيخ الكوثري الوحيد في تقويمه الصحيح ، ونقده الهادئ ، وإلى القارئ جملة من أقوال آخرين من الكتّاب المحدثين لم يبتعدوا كثيراً عن نهج الكوثري.
١ ـ قال عبد الكريم الخطيب في كتابه ( علي بن أبي طالب بقية النبوة وخاتم الخلافة ) (١) : اهتم ابن قتيبة في كتابه ( الإمامة والسياسة ) اهتماماً خاصاً بالفتنة التي كانت في أخريات خلافة عثمان ، ثم ما تلاها في خلافة علي ، وما وقع من حروب كوقعة الجمل وصفين والنهروان وغيرها ، وهو ينقل كثيراً ممن سبقوه كابن إسحاق وابن سعد وغيرهما.
وقد أورد معظم أخباره غير مسندة ، مخالفاً بذلك السنن الذي كان متبعاً عند رواة السير والأخبار ممن سبقوه أو عاصروه ، إذ غلب عليهم المنهج الذي كانوا يتبعونه في رواية الأحاديث النبوية ، وكان كثير منهم محدّثاً قبل أن يكون مؤرخاً.
واكتفى ابن قتيبة بأن يصدّر أخباره بنسبتها تلك النسبة المجهّلة العامة ، فيقول : ذكروا ، أو قالوا ، أو حدّثوا ، أو رووا ، ولعلّه لم يكن ذلك من ابن قتيبة عن رغبة في الاختصار ، بقدر ما هو شعور بأنّ هذه الأخبار التي تروي أحداث هذه الفترة ، ليست على الصحة والسلامة التي يُطمأن إليها ويوثق بها ... وإذن فليس ثمة داعية لربطها هذا الربط المحكم ، وشدّها ذلك الشدّ الوثيق بسلسلة موصولة الحلقات بأهل الثقة من الصحابة والتابعين وغيرهم ، وانّه لأقرب إلى طبيعتها والأشبه بحالها أن ترسل هكذا إرسال ، لا تحمل على أحد ، ولا تضاف إلى أحد ، وبهذا يمكن أن يسوّى حسابها ، ونقدّر قيمتها ، في ذاتها ولذاتها دون نظر إلى شيء آخر وراء ما يحمل جوهرها من صدق أو كذب.
_____________________
١ ـ علي بن أبي طالب بقية النبوة : ٤١.