تراب : وأصحّ من ذلك ما رواه البخاري في جامعه ، وهو أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجده في المسجد نائماً ، وقد ترب جنبه فجعل يحث ـ كذا في النسخة ولعل الأصوب يحتّ بالمثناة ـ التراب عن جنبه ويقول : قم أبا تراب ، وكان قد خرج إلى المسجد مغاضباً لفاطمة.
وهذا معنى الحديث ، وما ذكره ابن إسحاق عن حديث عمار مخالف له إلا أن يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم كنّاه بها مرّتين ، مرّة في المسجد ومرّة في هذه الغزوة ، فالله أعلم.
أقول : ونحن قد ذكرنا مواضع الحديث في صحيح البخاري ، وأنّه ذكره في أربعة مواضع من جامعه ، وأشرنا إلى أنّه لم تتفق صور رواياته للحديث على صورة واحدة ، مع أنّها عن راوٍ واحد ، وهو أبو حازم عن سهل بن سعد ، مما يكشف عن عدم دقة البخاري في نقله ، ومع ذلك التفاوت في روايات البخاري ، فراجع وقارن بين ما حكاه السهيلي عن البخاري ، وبين ما هو موجود في الجامع الصحيح ، فسوف تجده لا يتفق مع أيّ صورة منها.
نعم ، لقد تخلّص السهيلي بلباقة حيث قال موهماً : وهذا معنى الحديث ! فهل يعني أنّ ما حكاه عن البخاري كان نقلاً بالمعنى لما رواه البخاري ؟ وكان عليه أن يعيّن الرواية التي أرادها ، ومهما يكن ذلك فلا يهمنا تفسيره ، ونتركه له ولقومه.
ذكر الزرقاني في شرح المواهب (١) ما قاله السهيلي ، وما ذكره غيره كابن حجر الذي أبى وأصرّ إلا أن تكون التكنية مرّة واحدة ، وقال بامتناع الجمع بين ما جاء في حديث المؤاخاة في حديث عمار ، وبين ما جاء في حديث سهل بن سعد ، ثم قال : ولم يظهر من تعليله امتناع الجمع فإنه ممكن بمثل ما جمعوا به بين الحديثين قبله ، فيكون كنّاه ثلاث مرّات :
أولها : يوم المؤاخاة في المسجد.
_____________________
١ ـ شرح المواهب للزرقاني ١ : ٣٩٦.