وجهة الكعبة هي القبلة لا البنيّة ، فلو زالت البنيّة صلى إلى جهتها ، كما يصلي من هو أعلى موقفا منها.
______________________________________________________
واعلم أنّ للأصحاب اختلافا كثيرا في تعريف الجهة ، ولا يكاد يسلم تعريف منها من الخلل ( وهذا الاختلاف قليل الجدوى ، لاتفاقهم على أن فرض البعيد استعمال العلامات المقررة والتوجه إلى السمت الذي يكون المصلّي متوجها إليه حال استعمالها فكان الأولى تعريفها بذلك.
ثم إن المستفاد من الأدلة الشرعية سهولة الخطب في أمر القبلة والاكتفاء بالتوجه ) (١) إلى ما يصدق عليه عرفا أنه جهة المسجد وناحيته ، كما يدل عليه قوله تعالى ( فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (٢) وقولهم عليهمالسلام : « ما بين المشرق والمغرب قبلة » (٣) و « ضع الجدي في قفاك وصلّ » (٤) وخلو الأخبار مما زاد على ذلك مع شدة الحاجة إلى معرفة هذه العلامات لو كانت واجبة وإحالتها على علم الهيئة مستبعد جدا ، لأنه علم دقيق كثير المقدمات ، والتكليف به لعامة الناس بعيد من قوانين الشرع ، وتقليد أهله غير جائز ، لأنه لا يعلم إسلامهم فضلا عن عدالتهم. وبالجملة : فالتكليف بذلك مما علم انتفاؤه ضرورة. والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه.
قوله : ( وجهة الكعبة هي القبلة لا البنية ، فلو زالت البنية صلى إلى جهتها ، كما يصلي من هو أعلى موقفا منها ).
المراد : أن القبلة ليست نفس البنية الشريفة ، بل محلها من تخوم الأرض إلى عنان السماء ، فلو زالت البنية ـ والعياذ بالله ـ صلّي إلى جهتها التي تشتمل على العين كما يصلّي من هو أعلى موقفا منها كجبل أبي قبيس أو أخفض كالمصلّي
__________________
(١) بدل ما بين القوسين في « س » و « ح » : وليس لهم في هذا الاختلاف دليل نقلي يصلح للاستناد إليه ولا اعتبار عقلي يعوّل عليه ، والمستفاد من الأدلة الشرعية الاكتفاء بالتوجه إلى.
(٢) البقرة : ١٥٠.
(٣) الكافي ٣ : ٢١٥ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٣٢٦ ـ ١٠٢١ ، الوسائل ٢ : ٨١٢ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٥ ح ١.
(٤) التهذيب ٢ : ٤٥ ـ ١٤٣ ، الوسائل ٣ : ٢٢٢ أبواب القبلة ب ٥ ح ١.