المعصومون على هذا القول؟ هل هم أفراد الحلّ والعقد فرداً فرداً ، أم الهيئة الحاصلة منهم؟ والأول لا يقولُ به أحدٌ منهم ، والثاني لا يجوز ، لأنّ صفة العصمة حقيقيّة ، والهيئة أمرٌ اعتباري ، ولا يتلبس الأمر الاعتباري بالأمر الحقيقي.
ولو قيل : إنّ الصواب في رأي إجماع الأُمة ناشيءٌ من أمرٍ خارجي ، وهو تسديد اللّه تعالى لهم ، وإلهامهم الصواب تكريماً لهم.
لقلنا : لو كان هذا ثابتاً لكان إعجازاً كالقرآن ، ولجرى التأكيد عليه وتوضيحه بما يتناسب ودوره في بناء الأُمة الإسلامية ، ولسأل عنه الصحابة لِعِظَمِهِ وأهميته ، فهم سألوا عن الأقلّ منه شأناً كما يذكر لنا القرآن ذلك ، ولاحتُجّ به في الاختلافات والنزاعات ، ولتناقلته الأجيال ووصل إلينا بنحو القطع والتواتر وغدا من الوضوح بما لا يحتاج إلى بيان ولا يختلف فيه اثنان ، لكن اقتصر ذكره على بعض المفسّرين ، فإن أول من قال به الرازي المتوفّى سنة ٦٠٤ هـ ، وتبعه في ذلك نظام الدين النيسابوري المتوفى سنة ٧٢٨ هـ في تفسيره وبعض المتأخرين.
ومما يؤكد هذا التحديد في تبني هذا الرأي ، هو ما ذكره محمد عبده على ما نقله عنه تلميذه محمد رشيد رضا في تفسيره (المنار) حيث قال : ذكر الأستاذ الإمام في الدرس أنّ ما اهتدى إليه في تفسير أُولي الأمر من كونهم جماعة أهل الحل والعقد ، لم يكن يظنّ أن أحداً من المفسرّين سبقه إليه حتى رآه في تفسير النيسابوري (١).
__________________
(١) تفسير المنار ٥ : ١٨٢.