وأما الحرب في واقعها الإسلامي فإنّ المسلم لا يحارب من أجل الظفر بالمال بل من أجل مبدأ وعقيدة ، ولا يستأثر بما يظفر به بل يتركه للقائد يتصرف به كيف يشاء ، ولا يسمون ما يظفرون به بالنهبة بل يسموه بالنفل والغنيمة ، بالاضافة إلى أن المعارك التي خاضها المسلمون كانت تتسم بالسعة والشدّة ، وقد أعدّ لها أطرافها العدّة ، وكانت العساكر تنظم على شكل مجاميع قد تقتضي طبيعة مهمة بعضها أن لا تشارك في القتال مباشرةً ، وهذه الحالة من القتال لم يعتادها العصر الجاهلي في معاركه التي كانت عبارة عن معارك مباغتة وسريعة يشارك الكل في القتال فيها من أجل الظفر أكثر ما يمكن بالمال.
وهذا التفاوت الشاسع بين النظرتين أثّر في بروز خلاف بين المسلمين في معركة بدر الكبرى ، وهي أول مواجهة عسكرية بين المسلمين والمشركين ، اختلفوا فيها حول ما ظفروا به من عدوهم بعد انتصارهم الساحق عليه حيث شاء الظافرون أن يستأثروا بالمال تحكيماً لتلك النظرة المتجذرة في النفوس والمتأصلة بالسلوك ، فاعترض عليهم من لم يشارك بالقتال مباشرة أو لم ينشغل بجمع الغنائم ، فحصل بينهم نزاع تصوره لنا رواية ابن هشام والطبري ، قالا : إن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر بما في العسكر مما جمع الناس فجمع ، فاختلف المسلمون فيه ، فقال من جمعه : هو لنا ، وقال الذين كانوا يقاتلون العدو ويطلبونه : واللّه لولا نحن ما أصبتموه ، لنحن شغلنا عنكم القوم حتى أصبتم ما أصبتم ، وقال الذين كانوا يحرسون رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم مخافة أن يخالف إليه العدو : واللّه ما أنتم بأحق به منا ، لقد رأينا أن نقتل العدو إذ منحنا اللّه تعالى أكتافه ولقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه ، ولكنّا خفنا على رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كرّة العدو ، فقمنا دونه ، فما أنتم بأحقّ به