وهو قوله تعالى : ( قل الأنفال للّه والرسول ).
واستعمال القرآن للأنفال ، وإرادته الغنائم ، فيه إشارة بليغة ودلالة عميقة أراد منها تركيز معنى أنّ الغنائم في حقيقة أمرها زيادة على الأصل الذي من أجله يحارب المسلمون ، أو بلحاظ أنها زيادة لا مالك لها.
وأمرهم اللّه تعالى بالطاعة لهذا الأمر والتسليم له وجعله من معالم الدين ، حيث قال عزّوجلّ : « وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين » ومن هذا المقطع من الآية نستشعر حال المسلمين حيال الوضع الجديد للأنفال وحالة الممانعة العفوية التي أبدوها ، تلك الممانعة النابعة من فهمهم الخاص للغنائم ، ولولا ذلك لما لزم الأمر بالطاعة وجعله من معالم الدين.
وفي رواية عبادة بن الصامت إشارة لما تقدّم ذكره حيث قال : فينا معشر أصحاب بدر نزلت ، حين اختلفنا في النفل ، وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه اللّه من أيدينا ، فجعله الى رسوله ، فقسمه رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بين المسلمين على السواء ، فكان في ذلك تقوى اللّه ، وطاعة رسوله ، وصلاح ذات البين. (١)
ثم تستمر الرواية فتقول : أقبل رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قافلاً الى المدينة ، فاحتمل معه النفل الذي اُصيب من المشركين ، حتى إذا خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبين النازية ـ يقال له سَيَر ـ الى سرحة به ، فقّسم هنالك النفل الذي أفاء اللّه على المسلمين من المشركين على السواء. (٢)
وهكذا تذكر لنا كتب التاريخ أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قسمها على الجميع بالتساوي حتى شملت من بقي بالمدينة ولم يصل أرض المعركة ، قسمها تفضلاً منه لا استحقاقاً
__________________
(١) و (٢) تاريخ الطبري ٢ : ٤٥٧ ، ٤٥٨ ، سيرة ابن هشام ٢ : ٥٦٦.