إنّ الآية في ظاهرها تريد المودة ، وهي الثبوت على المحبّة ، فإنّ مَن ثبت على المحبّة استصحب المودة في كل حال ، وعند التأمّل المنصف المتأنّي نجد أنّها لا تقف عند حدّ المودة والحبّ ، بل تتعداه لتجعل من هذه المودّة طريقاً إلى اتّباع نهج المودود ، وهذا ما نستشعره من جهات ثلاث :
الاُولى : من الواضح أن المودة وضعت على كفتي ميزان مع الرسالة ، حيث جُعلت أجراً لها ، وهو أمرٌ عظيم لا نراه بحكم الوجدان يتوقف على إرادة المحبّة وحدها ، وإن كانت مطلوبة لذاتها ، فالمحبّة المجردة لا تكون عدلاً لتبليغ الرسالة إلاّ إذا كانت كاشفةً عن سبيل قويم إلى مرضاة اللّه تعالى ، تتجسّد فيه كل أهداف وغايات الدعوة.
الثانية : إن طلب المحبّة المجرّدة لا يكشف عن حالة من الاندكاك والذوبان الكامل في اللّه تعالى الذي يناسب مقام الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنه قد يلوح منها جانب ذاتي ، أما إذا قلنا بأن المراد من طلب المحبّة هو طريق للاقتداء بسلوك المحبوب الذي من خلاله نضع أقدامنا على الصراط المستقيم ، فإن ذلك يشكل جزءاً من الدعوة ، عندها نكون قد ارتفعنا بطلب المودّة إلى مستوى من الهدفية والحكمة بما ينسجم وروح وغاية رسالة السماء.
الثالثة : حكم الطبيعة بأن الإنسان إذا أحبّ شيئاً أحبّ جميع شؤونه ، فتراه يتتبعها ويتوددها ويتمناها ، ويتّخذ ممن أحبّ قدوةً وأُسوةً ، يطيعه ولا يعصيه ، وفي هذا يقول الإمام الصادق عليهالسلام : « ما أحبّ اللّه عزّوجلّ مَن عصاه » ثمّ تمثّل فقال :