والالتزام بهذا الظاهر قد يولّد شبهة في الأذهان مفادها : أن طلب الأجر على الرسالة يلزم منه محاذير ، منها :
أولاً : تعارضه مع آيات وردت على لسان النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم بنفي الأجر مطلقاً ، كما في قوله تعالى : ( قُل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلاّ ذكرى للعالمين ) (١).
ثانياً : تعارضه مع آيات وردت على لسان الأنبياء (٢) نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهمالسلام بنفي الأجر مطلقاً ، كما في قوله تعالى : ( وما أسألكم عليه من أجرٍ إن أجري إلاّ على ربّ العالمين ) (٣) ، ونبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل الأنبياء وإمامهم ، فهو أولى بعدم طلب الأجر.
ثالثاً : إن تبليغ الرسالة تكليف إلهي شرعي ، والتكاليف لا يؤخذ عليها الأجر.
رابعاً : إنه لا يناسب شأن النبوة ، لما فيه من التهمة ، فإنّ أكثر طلبة الدنيا يفعلون شيئاً ويسألون عليه ما يكون فيه نفع لأولادهم وقراباتهم.
ولدفع هذه الشبهة وما يلزمها من محاذير ، لابدّ من تحديد المراد من الأجر وعلاقته بالرسالة ، وهذا بدوره يتوقف على تحديد طبيعة الاستثناء الوارد في الآية ( إِلاَّ المَوَّدَّةَ فِي القُرْبَى ) هل هو استثناء منقطع أو متصل؟ وبحسبه تختلف الإجابة ، فإذا قلنا إنّ الاستثناء منقطع فمعنى ذلك أن الآية مكوّنة من جملتين منفصلتين : الأولى ( قُلْ لاَ أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ) ثم يستأنف القول
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٩٠.
(٢) سورة الشعراء : ٢٦ / الآيات (١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠).
(٣) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٠٩.