بجملة جديدة ( إِلاَّ المَوَّدَّةَ فِي القُرْبَى ) أي لكن أسألكم المودّة في القربى ، وهي جملة لا علاقة لها بالجملة السابقة ، وله في الكتاب الكريم نظائر ، كما في قوله تعالى : ( فَسَجَدَ المَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أجْمَعُونَ * إلاّ إبْلِيْس ) (١) ومعناه لكن إبليس لم يسجد ، وهي جملة جديدة كما ترى لا علاقة لها بالسابقة ، لأن إبليس ليس من الملائكة ، فعليه تكون الشبهة قد انتفت من الأصل ، لانتفاء موضوعها ، وهذا ما ذهب إليه معلم الطائفة الشيخ المفيد رحمه اللّه تعالى ، وجمع من المفسّرين منهم : الطبري والزمخشري وابن عطية الأندلسي والقرطبي وأبو حيان الأندلسي والرازي في أحد قوليه والآلوسي (٢) وغيرهم.
وإذا قلنا : بأن الاستثناء في الآية استثناء متصل ، عندها يكون طلب المودّة أجراً على الرسالة ، ولكن لا كما تصوّره الشبهة ، فيلزمه تلك المحاذير ، بل بتفسير آخر ، وهو أنّ الأجر بطلب المودة ، وإن كان أجراً بحسب الظاهر ، ولكنه بحسب الحقيقة ليس بأجر ، لأن طلب المودة لا يخرج عن كونه جزءاً من الدعوة ، وليس بخارج عنها ، وإن صُوِّر بصورة الأجر ، وذلك لأنّ نفعه عائد إلى من وجبت عليهم المودّة ، كما في قوله تعالى : ( مَا سَأَلْتُكُم مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) (٣) وقريب منه قوله تعالى : ( مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاءَ أَن
__________________
(١) سورة الحجر : ١٥ / ٣٠ ـ ٣١.
(٢) تصحيح الاعتقاد / الشيخ المفيد : ١١٩ ، منشورات الرضي ـ قم / ١٣٦٣ هـ. ش ، تفسير الطبري ١٣ : ٣٥ ، الكشاف ٤ : ٢٢٣ ، المحرر الوجيز ٥ : ٣٤ ،تفسير جامع الأحكام ١٦ : ٢١ ، تفسير البحر المحيط ٧ : ٤٩٤ ، تفسير مفاتيح الغيب ٩ : ٥٩٤ ، تفسير روح المعاني ٢٥ : ٣١.
(٣) سورة سبأ : ٣٤ / ٤٧.