للتقرب إلى اللّه تعالى كلٌّ حسب طريقته ، فحتى المشركون يرون شركهم وعبادتهم للأصنام يقرّبهم إلى اللّه تعالى ، فطلب التودّد في التقرّب إلى اللّه تعالى بدون تقييده بعبادته وحده يكون أمراً مبهماً لا يمكن قبوله.
وإذا كان المراد هو التقرّب إلى اللّه تعالى بالتودّد إلى طاعته ، فانّ الأنسب أن يأمر بطاعته ، لا التودّد لطاعته ، فما معنى التالي إذا تحقّق الأول؟!
الثاني : المراد من القربى هي القرابة ، التي هي بمعنى الرحم ، ومعناه أنّ أجر الرسالة أن تصلوا أرحامكم وتودّوهم وتحسنوا إليهم ، فيكون المراد هو المودّة في قرباكم.
ولمناقشة هذا الرأي نحتاج إلى توضيح هوية القربى المأمور بمودّتهم ، فهذه اللفظة وردت في الآيات بمعانٍ مختلفة ، تتوقف على القرائن المحتفّة بها من سياق الكلام ودلالة ألفاظه ، وتحديد ماهية الإضافة ، ففي قوله تعالى : ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) (١) المراد قرابة المخاطبين بقلتم ، أما قوله تعالى : ( مَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (٢) فإنّ المراد منها قرابة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بقرينة قوله : ( على رسوله ) وكذلك في قوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى ) المراد قربى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بقرينة قوله : ( لا أسألكم ) فإنها تشير إلى أن المراد هم أقرباء السائل ، والسائل هو الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
هذا من جانب ومن جانب آخر ليس ثمّة فائدة ، يجنيها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من ودّ المسلمين لأقاربهم حتى يجعلها أجراً لرسالته ، فإنّ هذا كلام لا معنى له.
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٥٢.
(٢) سورة الحشر : ٥٩ / ٧.