مضافاً إلى أن ديننا لم يأمرنا بودّ أقاربنا بشكل مطلق ، وشاهده قوله تعالى : ( لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّه وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ ..... ) (١) نعم أمرنا بصلة الرحم ، وليس بودّهم ، وثمة فرق بين الاثنين.
الثالث : المراد من القربى هي القرابة التي بمعنى الرحم ، ومعناه أن أجر الرسالة هو أن تصلوا رحمي وتحفظوني لقرابتي منكم ، فحيث إنكم لم تحفظوني وتتجنّبوا أذيّتي لنبوتي ، فاحفظوني لما يربطني بكم من قرابة نسبية وسببيّة ، فيكون المراد إلاّ المودّة في قرابتي منكم. ونسب هذا القول إلى الجمهور ، وذهب إليه أغلب مفسّري العامّة ، وذكروا له أخباراً يرويها الطبري في تفسيره (٢).
وهذا القول لا يمكن تعقّله على مستوى التصوّر فضلاً عن التصديق به ، وذلك لأن الخطاب بطلب المودّة بلحاظ القرابة لا بلحاظ النبوّة ، إنْ كان موجّهاً إلى المؤمنين ، فإنهم كيف آمنوا بالرسالة ولا يرون مودّة وحفظ الرسول لنبوّته لازماً لا ينفك عن الإيمان؟! وإن كان موجّهاً إلى الكفّار فإنه لا يعقل أن كون طلب المودّة منهم يقع أجراً للرسالة ، فإنه كلام لا معنى له ، لأنها قضية سالبة لانتفاء موضوعها ، فأي رسالة هذه ، وهم لم يؤمنوا بها ، ولم يحصلوا على شيء منها ، بل كفروا بها وجحدوها؟
ثمّ إنّ ملاك القرابة وحده غير كافٍ لأن يكون مبرراً لمودة شخص جاء ليقضي على كيانهم بكامله ، فإنه من غير المعقول طلب المودة من عدوٍّ لعدوّه لأنّ له معه قرابة ، ونحن نرى الابن يقتل أباه والأخ يقتل أخاه من أجل مصلحة
__________________
(١) سورة المجادلة : ٥٨ / ٢٢.
(٢) تفسير جامع البيان / الطبري ١٣ : ٣٠ ـ ٣٣.