وهذا من التناقض الصريح بين القول والفعل ، وبين ما وصل إليه الدليل وما عليه العمل ، وهو لم يحصل اعتباطاً ، أو عن طريق الصدفة ، فإنّ القوم يعملون به منذ نشأت مذاهبهم وقبلها ودونك كتبهم ورسائلهم التي نقلتها لنا كتب التأريخ تحكي لك ما كانوا يعملون به من الصلاة البتراء منذ ذلك الزمن وإلى هذه الساعة تقليداً لأسلافهم ، مع أنّ الدليل أوصلهم إلى الصلاة التامة ، فلابدّ أن يكون لذلك أسبابه ومبرراته الضاربة بأطنابها في عمق التأريخ ، وهو أمرٌ محيّر حقاً يحتاج إلى وقفة جادة ومسؤولة لتقصّي الحقيقة.
ولعلّ بداية هذا الأمر كانت منذ أيام معاوية ، الذي بذل كل جهده لاخماد ذكر علي وآل علي عليهمالسلام ، واستعان على ذلك بأبشع الأساليب ، والتي كان منها : أمر بلعن علي وآله على المنابر وفي سائر الخطب ، الأمر الذي مضى عليه الأمويون حتّى جاء عمر بن عبد العزيز فقطعه ، ووضع مكانه : «إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان» ... فاستمرت قراءتها في الخطبة إلى الآن» (١).
أما موقف معاوية من الصلاة على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالذات ، فتوضحه لنا رسائله وكتبه التي يبعث بها ، فأنك لا تجده يصلي على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا صلاة تامة ولا مبتورة إلاّ في بعض الموارد النادرة جداً والتي تقتضيها الضرورة (٢). وكيف يطيق الصلاة على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو لا يطيق سماع اسمه
__________________
(١) تاريخ الخلفاء / السيوطي : ١٩٠.
(٢) انظر على سبيل المثال كتبه ورسائله في : وقعة صفين ٣٤ و ٥٠ و ٥٦ و ٦٣ و ٧١ و ٧٤ و ٧٦ و ٨٦ و ١١٠ و ١١٩ و ١٥١ و ١٥٨ و ٣٦٦ و ٣٨٦ و ٤٧٠ و ٤٩٣ و ٤٩٧ ،فإنك لا تجده يذكر الصلاة البتراء ولا التامة إلاّ مرة واحدة في كتابه إلى محمد بن أبي بكر.