الماتريديّة للامام محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي السمرقندي ( المتوفّى عام ٣٣٣ هـ ) أي بعد ثلاثة أو تسعة (١) أعوام من وفاة الإمام الأشعري.
والداعيان كانا في عصر واحد ، ويعملان على صعيد واحد ، ولم تكن بينهما أيّة صلة ، فهذا يكافح الاعتزال ويناصر السنّة في العراق متقلّداً مذهب الشافعي في الفقه ، وذاك يناضل المعتزلة في شرق المحيط الإسلامي ( ما وراءالنّهر ) ، متقلّداً مذهب الإمام أبي حنيفة في الفقه ، وكانت المناظرات والتيّارات الكلامية رائجة في كلا القطرين. فكانت البصرة ـ يوم ذاك ـ بندر الأهواء والعقائد ، ومعقلها ، كما كانت أرض خراسان مأوى أهل الحديث ومهبطهم ، وكانت منبتَ الكرّامية وغيرهم أيضاً ، نعم كانت المعتزلة بعيدة عن شرق المحيط الإسلامي ، ولكن وصلت أمواج منهجهم الى تلك الديار عن طريق اختلاف العلماء بين العراق وخراسان.
ولأجل انتماء الداعيين إلى المذهبين المختلفين نرى اهتمام الشافعية بترجمة الأشعري في طبقاتهم ، واهتمام علماء الأحناف ـ أعني المتكلّمين منهم ـ بالماتريدي وإن قصروا في ترجمته في طبقاتهم ، ولم يؤدّوا حقّه في كتبهم.
نعم انتماء الماتريدي للإمام أبي حنيفة في الفقهين ( الأكبر والأصغر ) (٢) أمر واضح ، فإنّه حنفي ، كلاماً وفقهاً ، وأكثر من نصره ، بل جميعهم ، من الأحناف ، مثل فخر الاسلام أبي اليسر محمد بن عبد الكريم البزدوي ( المتوفّى عام ٤٩٣ هـ ) والإمام النّسفي ( المتوفّى عام ٥٧٣ هـ ) وسعد الدّين التّفتازاني ( المتوفّى عام ٧٩١ هـ ) وغيرهم كإبن الهمام والبياضي كما سيوافيك في تراجمهم ، بخلاف انتماء الأشعري للامام الشافعي فإنّه ليس بهذا الحدّ من الوضوح.
__________________
١ ـ على اختلاف في تاريخ وفاته بين كونه في ٣٣٠ أو ٣٢٤.
٢ ـ سمّى أبو حنيفة الكلام بالفقه الأكبر ، وعلم الشريعة بالفقه الأصغر ، وقد سمّى بعض رسائله بهذين الاسمين كما سيوافيك.