الانسان يتصوّر بادئ بدء أنّ المرجئة كسائر الطّوائف لهم آراء في جميع المجالات الكلاميّة ، خاصّة بهم ، يفترقون بها عن غيرهم ، ولكن سرعان ما يتبيّن له أنّ الأصل المقوّم للمرجئة هو مسألة تحديد الإيمان والكفر. وأمّا الموضوعات الاُخرى فليس لهم فيها رأي خاصّ. ولأجل ذلك تفرّقوا في آخر أمرهم إلى فرق متبدّدة ومتضادّة. فترى مرجئياً يتّبع منهج الخوارج ، ومرجئياً آخر يقتفي أثر القدريّة ، وثالثاً يشايع الجبريّة. وما هذا إلاّ لأنّ الإرجاء قام على أصل واحد وهو تحديد الايمان بالإقرار او باللسان أو المعرفة القلبية. وأمّا الاُصول الاُخرى فليس لهم فيها رأي خاصّ قطّ. وصار هذا سبباً لذوبانهم في الفرق الاخرى وتفرّقوا على الفرق التالية :
١ ـ مرجئة الخوارج ، ٢ ـ مرجئة القدرية ، ٣ ـ مرجئة الجبرية ، ٤ ـ المرجئة الخالصة.
وهذه الطّوائف بعضها بالنسبة إلى بعض على نقيض ، فمرجئة القدريّة تقول بالاختيار والحريّة للانسان ، ومرجئة الجبريّة تنكره. ومع ذلك كلّه فالطائفتان تستظلاّن تحت سقف واحد ، وهو الإرجاء ، وإن اختلفوا في سائر المسائل. نعم يوجد هناك مرجئة خالصة لم يتكلّموا بشيء في بقيّة المسائل وذكر الشهرستاني لهم طوائف ستّ وهي :
١ ـ اليونسيّة ٢ ـ العبيديّة ٣ ـ الغسّانيّة ٤ ـ الشعبانيّة ٥ ـ التومينية ٦ ـ الصالحيّة.
وهؤلاء لم يتكلّموا إلاّ في الارجاء واختلفوا في تحديد الايمان بعد إخراج العمل منه ، وتركوا البحث عن سائر الموضوعات ، بخلاف الطّوائف الثلاث المتقدّمة. فإنّهم اشتركوا في الإرجاء واختلفوا في سائر الموضوعات. فمن مرجئيّ سلك مسلك الخوارج ، يبغض عثماناً وعليّاً ، ويناضل ضدّ الحكّام ، إلى آخر يتفيّأ بفيء القدريّة يحترم الخلفاء الأربع ، ويرى الانسان فاعلاً مختاراً وفعله متعلّقاً بنفسه. إلى ثالث يركب مطيّة الجبر ويرى الإنسان أداة طيّعة للقضاء والقدر.