المنهج الذي اختاره الماتريدي ، وأرسى قواعده ، وأوضح براهينه ، هو المنهج الموروث من أبي حنيفة ( م ١٥٠ هـ ) في العقائد ، والكلام ، والفقه ومبادئه ، والتاريخ يحدّثنا عن كون أبي حنيفة صاحب حلقة في الكلام قبل تفرّغه لعلم الفقه ، وقبل اتّصاله بحماد بن أبي سليمان الذي أخذ عنه الفقه.
وليس الماتريدي نسيج وحده في هذا الأمر ، بل معاصره أبو جعفر الطّحاوي صاحب « العقيدة الطحاوية » ( م ٣٢١ هـ ) مقتف أثر أبي حنيفة حتّى عنون وصدّر رسالته المعروفة بالعقيدة الطّحاوية بقوله « بيان عقيدة فقهاء الملّة : أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّدبن الحسن » (١).
ويذكر عبد القاهر البغدادي صاحب كتاب « الفَرْق بين الفِرَقِ » في كتابه الآخر « اُصول الدين » أنّ أبا حنيفة له كتاب في الرد على القدرية سمّاه « الفقه الأكبر » ، وله رسالة أملاها في نصرة قول أهل السنّة : أنّ الاستطاعة مع الفعل ... وعلى هذا قوم من أصحابنا (٢) ، والرسائل الموروثة من أبي حنيفة أكثر ممّا ذكره البغدادي (٣).
ولمّا كانت المسائل الكلامية في ثنايا هذه الرسائل ، غير مرتّبة قام أحد الماتريديّة في القرن الحادي عشر ، أعني به كمال الدين أحمد البياضي الحنفي ، باخراج المسائل الكلامية عن هذه الرسائل من غير تصرّف في عبارات أبي حنيفة وأسماه « إشارات المرام من عبارات الامام » ويقول فيه : « جمعتها من نصوص كتبه التي أملاها على أصحابه من الفقه الأكبر ، والرسالة ، والفقه الأبسط ، وكتاب العالم والمتعلّم ، والوصيّة ، برواية من الإمام حمّاد بن أبي حنيفة ، وأبي يوسف الأنصاري ، وأبي مطيع الحكم بن عبد الله
__________________
١ ـ شرح العقيدة الطحاوية : ص ٢٥، والشرح للشيخ عبد الغني الميداني الدمشقي ( المتوفى سنة ١٢٩٨ هـ ).
٢ ـ اُصول الدين : ص ٣٠٨.
٣ ـ وسيوافيك فهرس الرسائل الموروثة من أبي حنيفة ، وقد طبع قسم كبير منها.