٣
القدريّة
خرج المسلمون من الجزيرة العربيّة بدافع نشر الاسلام وبسط نفوذه ، فلمّا استولوا على البلاد واستتبّ لهم الأمر ، تفاجأوا بثقافات وحضارات ، وشرائع وديانات ، لم يكن لهم بها عهد ، ففرضت الظُّروف عليهم الاختلاط والتعايش مع غير المسلمين ، وربّما انتهى الأمر إلى التفاعل والتأثير بمبادئهم وأفكارهم ، فوقفوا على اُصول ومبادئ تخالف دينهم ، فأوجد ذلك اضطراباً فكريّا بين الأوساط الإسلاميّة. كيف لا ، وقد كان الخصم متدرّعاً بالسلاح العلمي ، ومجهّزاً بأساليب كلاميّة ، والمسلمون الغزاة بسطاء غير مجيدين كيفيّة البرهنة ، والمجادلة العلميّة مع خصمائهم ، فصار ذلك سبباً لطرح أسئلة ونموّ اشكالات في أذهان المسلمين خارج الجزيرة العربيّة وداخلها ، وقد كان الغزاة ينقلون ما سمعوا أو ما تأثّروا به في حلّهم وترحالهم داخل المدن وخارجها.
وهذا التلاقح الفكري بين المسلمين وغيرهم أدّى إلى افتراق الاُمّة الاسلاميّة إلى طائفتين :
الطائفة الاُولى : وهم يشكّلون الأكثريّة الساحقة في المسلمين ، جنحت إلى الجانب السلبي وأراحت نفسها من الخوض في تلك المباحث ، وإن كانت لها صلة بصميم الدين كالقضاء والقدر ، وعينيّة الصفات للذات أو زيادتها عليها ، كيفيّة