النكسة.
هذا حال الطائفة الاُولى وإليك نبذة عن وضع الطائفة الاُخرى.
الطائفة الثانية : وهم الأقليّة من أصحاب الفكر ، وقد عاينوا المشاكل عن كثب وحاولوا حلّها بالدراسة والتحليل. فلأجل تلك الغاية تدرّعوا بمنطق الخصم وأساليبه الكلاميّة ، فقلعوا بها الشبه وصانوا دينهم وايمان أحداثهم عن زيغ المبطلين. كلّ ذلك بدافع الذبّ عن حريم الدّين وصيانته ، وتجسيداً للأصل الأصيل في الكتاب والسنّة ـ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ـ واسوةً بالنبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذي كان يدافع عن دين الله بسيفه وسنانه ، وبنانه وبيانه ، وكتبه ورسائله.
وقد نجم بين الاُمّة في هذه الطّائفة علماء أخيار اشتروا رضا الله سبحانه بغضب المخلوق ، فكانوا يحمون جسد الإسلام من النّبال المرشوقة والموجّهة من السلطة الحاكمة إليه ، تحت ستار الدفاع عن الدّين ومكافحة المضلّين ، وقد أساء لهم التاريخ فأسماهم بالقدريّة ، حطّاً من شأنهم ، وإدخالاً لهم تحت الحديث المرويّ عن الرسول الأكرمصلىاللهعليهوآلهوسلم « القدريّة مجوس هذه الاُمّة » وكان العصر الأموي ( من الوقت الّذي استولى فيه معاوية على عرش الملك إلى آخر من تولّى منهم ) ، يسوده القول بالجبر ، الّذي يصوِّر الانسان والمجتمع أنّهما مسيّران لا مخيّران ، وأنّ كلّ ما يجري في الكون من صلاح وفساد ، وسعة وضيق ، وجوع وكظّة ، وصلح وقتال بين الناس أمر حتمي قضى به عليهم ، وليس للبشر فيه أيّ صنع وتصرّف.
وقد اتّخذت الطغمة الأمويّة هذه الفكرة غطاءً لأفعالهم الشنيعة حتّى يسدّوا بذلك باب الاعتراض على أفعالهم بحجّة أنّ الاعتراض عليهم إعتراض على صنعه سبحانه وقضائه وقدره ، وأنّ الله سبحانه فرض على الانسان حكم ابن آكلة الأكباد وابنه السكّير. وأبناء البيت الاموي الخبيث يعيشون عيشة رغد ورخاء وترف ، ويعيش الآخرون على بطون غرثى وأكباد حرّى.
وقد كانت هذه الفكرة تروّج بالخطباء ووعّاظ السلاطين مرتزقة البلاط الاموي.