٣ ـ إنّ هذا التاريخ يدلنا على أنّ رجال العيث والفساد إذا أرادوا إخفاء دعوة الصالحين اتّهموهم بالكفر والزندقة ومخالفة الكتاب والسنّة.
٤ ـ إنّ صلب معبد الجهني بيد الحجّاج السفّاك بأمر عبد الملك أوضح دليل على أنّ الرجل كان من دعاة الإصلاح ، ولكن ثقل أمره على الطغمة الأمويّة فاستفزّوه من أديم الأرض وقطعوا جذوره بالصّلب والقتل ، كما أنّ قيام غيلان في وجه هشام بن عبد الملك يعرب عن صموده في سبيل الحقّ وإزهاق الباطل وقتله به يدلّ على قداسة ما كان يذهب إليه.
وعلى أيّ تقدير; فهذان الرجلان ، في الطّليعة من دعاة الحريّة والاختيار ، ويعدّان أسلافاً للاعتزال ولا يمتّان له بصلة غير الإشتراك في نفي الجبر والتسيير.
٥ ـ إنّ هؤلاء الأحرار وإن رُموا بالقدرية بمعنى إنكار القضاء والقدر ، ولكنّهم كانوا بصدد إثبات الاختيار والحريّة للإنسان في مقابل الجبر وإغلال الأيدي الّذي كانت السلطة تشجّعه ، والاختيار هو الّذي بُنيت عليه الشرائع وعليه شرّعت التكاليف ، فإنكاره إنكار للأمر الضّروري.
ولكنّ السلطة لأجل إخماد ثورتهم اتّهمتهم بالقدريّة حتّى تطعن بهم أنّهم خالفوا الكتاب والسنّة الدالّين على تقدير الأشياء من جانبه سبحانه وقضائه عليها ، وأين هذه التهمة ممّا تمسّك به القوم من الدعوة إلى الاختيار والحريّة؟
وأمّا تفسير القدريّة في حقّ هؤلاء بتفويض الإنسان إلى نفسه وأفعاله ، أنّه ليس لله سبحانه أي صنع في فعله فهو تفسير جديد حدث بعد هؤلاء ، وبه رُميت المعتزلة كما سيأتي الكلام فيه.
وفي الحقيقة كانت دعوة هؤلاء ردّ فعل لاسطورة الجبر الّتي كانت ذائعة في الصدر الأوّل عن طريق أهل الكتاب الّذين تلبّسوا بالإسلام ، وكانت الأكثريّة الساحقة من المسلمين يؤمنون بالقدر على وجه يجعل الإنسان مغلول اليدين. وقد قال