( وجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) فهذا إمام هدى ، ومن اتّبعه شريكان ، وأمّا الآخر : فقال تعالى ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّار ويَوْمَ القِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ ) ( القصص : ٤١ ) ولن تجد داعياً يقول : تعالوا إلى النار ـ إذاً لا يتبعه أحد ـ ولكنّ الدعاة إلى النار هم الدعاة إلى معاصي الله ، فهل وجدت يا عمر حكيماً يعيب ما يصنع ، أو يصنع ما يعيب ، أو يعذّب على ماقضى ، أو يقضي ما يعذّب عليه ، أم هل وجدت رشيداً يدعو إلى الهدى ثمّ يضل عنه ، أم هل وجدت رحيماً يكلّف العباد فوق الطاقة ، أو يعذّبهم على الطاعة ، أم هل وجدت عدلاً يحمل الناس على الظلم والتظالم ، وهل وجدت صادقاً يحمل الناس على الكذب أو التكاذب بينهم؟ كفى ببيان هذا بياناً ، وبالعمى عنه عمى » (١).
و هذه الرسالة الّتي نقلها ابن المرتضى تعرب أوّلاًَ : عن أنّ الرّجل كان ذا همّة قعساء ، وغيرة لا يرضى معها بتدهور الاُمور في المجتمع ورجوعه القهقرى ، أنّه بلغ من الإصحار بالحقيقة أن خاطب خليفة الزمان بما جاء في هذه الرسالة .. وأين كلامه هذا « اُنظر أيّ الإمامين أنت » من كلام مرتزقة البلاط الأموي من حيث تقريظهم للخلفاء والثناء على أعمالهم القبيحة ، ووصفهم بالسير على خطى الرسول محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم. هذا هو جرير بن عطية الخطفي يمدح بني اُميّة بقوله :
ألستم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطون راح |
وهذه ليلى الأخيلية تمدح الحجّاج بن يوسف بقولها :
إذا هبط الحجاج أرضاً مريضة |
|
تتبّع أقصى دائها فشفاها |
شفاها من الداء العضال الّذي بها |
|
غلام إذا هزّ القناة سقاها |
وقال الآخر :
رأيت الوليد بن اليزيد مباركاً |
|
شديداً بأعباء الخلافة كاهله |
__________________
١ ـ المنية والامل ص ٢٥ ـ ٢٦.