وفي حدسي أنّ غيلان الدمشقي قد وقف على نيّة الأوزاعي وأنّه يريد أن يأخذ منه الإعتراف بأحد الأمرين إمّا بالجبر إذا أجاب بمثل ما يريد ، وعندئذ يكون مناقضاً لعقيدته.
وإمّا بالاختيار والحريّة فيكون محكوماً بالإعدام وضرب العنق. فاختار السكوت وعدم الإجابة حتّى يتخلّص من كلتا المغبّتين. وما كان المسكين عارفاً بأنّ الحكم بالإعدام قد سبق السؤال والجواب ، وهذه المناظرة مناظرة مسرحيّة رُتّبت لتبرير إراقة دمه تحت غطاء السؤال والجواب.
هذا وقد قام بعض المعنيّين بالملل والنحل ، بنشر ما وصل إليه من الوثائق عن بدايات علم الكلام في الاسلام ، فنشر ضمن مجموعةِ رسالتين : رسالة الحسن بن محمّد ابن الحنفيّة في القدر ، ورسالة عمر بن عبدالعزيز فيه أيضاً. وسيوافيك الكلام حولهما في آخر المطاف.
وللكتاب ملحق يهدف إلى تبيان بعض القضايا المتعلّقة بشخصيّة من شخصيات القدريّة المفكّرين وهو غيلان الدمشقي ، وخاصة تلك القضايا المتعلّقة بحياته وإعدامه في زمن خلافة هشام بن عبدالملك (١٢٥).
قال محقّق الكتاب : وتدلّ معظم الروايات على أنّها أقاصيص موضوعة اختلقتها رواتها ليبرهنوا على أنّ غيلان كان خارجاً عن الجماعة ، وأنّ حججه كانت غير مقنعة ، وأنّ السلطة السياسيّة كانت على حقّ عندما أعدمته. وهذا كلّه مما يجعل استخلاص ما حدث على وجه الدقّة أمراً صعباً ، على أنّني حاولت توضيح الأمر بمعلومات استقيتها من كتاب « أنساب الأشراف » للبلاذري ، بالاضافة إلى المصادر الاُخرى (١).
__________________
١ ـ بدايات علم الكلام في الاسلام : رسالتان في الرد على القدرية مع ملحق في أخبار غيلان الدمشقي حققها وترجمها وعلّق عليها يوسف فان اسّ نشرها المعهد الالمائي للأبحاث الشرقية في بيروت. وقد وقفنا على تصوير الرسالتين الاوليين دون الملحق واكتفينا ببيان كلام المحقّق.