منهج الجهم وقد عرفت أساس مذهبه فيما مر ، صار لفظ « الجهميّ » رمزاً لكلّ من قال بأحد هذه الاُمور ، وإن كان غير قائل بالجبر ونفي القدر. ولأجل ذلك ربّما تطلق الجهميّة ويراد منها المعتزلة أو القدريّة ، وعلى هذا الأساس يقول أحمد بن حنبل :
« والقرآن كلام الله ليس بمخلوق ، فمن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر ، ومن زعم أنّ القرآن كلام الله ووقف ولم يقل مخلوق ولا غير مخلوق ، فهو أخبث من الأوّل ، ومن زعم أنّ ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة ، والقرآن كلام الله ، فهو جهمي ، ومن لم يكفِّر هؤلاء القوم كلّهم فهو مثلهم » (١).
نعم ، القوم وإن نسبوا إلى الجهم كون القرآن مخلوقاً ، لكنّه بعيد جدّاً ، لأنّه مات في آخر دولة الأمويين ولم تكن المسألة معنونة في تلك الأيّام ، وإنّما طرحت في العصر العبّاسي خصوصاً في عصر المأمون.
وقد ألّف البخاري والإمام أحمد (٢) كتابين في الردّ على الجهمية وعنيا بهم المعتزلة. والمعتزلة يتبرّأون من هذا الاسم. ويتبرّأ بشر بن المعتمر ـ أحد رؤساء المعتزلة ـ من الجهميّة في ارجوزته إذ يقول :
ننفيهم عنّا ولسنا منهم |
|
ولا هم منّا ولا نرضاهم |
إمامهم جهم وما لجهم |
|
وصحب عمرو ذي التقى والعلم (٣) |
ويريد عمرو بن عبيد الرئيس الثاني للمعتزلة بعد واصل بن عطاء.
وعلى كلِّ تقدير ، فعدُّ المعتزلة « جهميّة » ظلم واعتساف ، ولم يذكر أحد منم الجهم من رجالهم ، وقد أرسل واصل بن عطاء ، حفص بن سالم إلى خراسان ، وأمره
__________________
١ ـ السنّة لأحمد بن حنبل : ص ٤٩.
٢ ـ طبع مع كتاب السنّة له.
٣ ـ فجر الاسلام : ص ٢٨٧ ـ ٢٨٨.