في أهل الكبائر فقالت الخوارج : هم كفّار مشركون ، وقال بعض المرجئة : إنّهم مؤمنون ، وقالت المعتزلة : لا نسمّيهم بالكفر ولا بالإيمان ، ولا نقول إنّهم مشركون ولا مؤمنون بل فسّاق ، فاعتزلوا القولين جميعاً وقالوا بالمنزلة بين المنزلتين فسمّوا بالمعتزلة » (١).
٦ ـ جعل الفاسق معتزلاً عن الإيمان والكفر
وهذه النظرية غير النظرية الماضية ، فإنّ الاعتزال فيها كان وصفاً لنفس المعتزلة فهم اعتزلوا عن جميع ما اختلفت فيه من الآراء وأخذوا بالمتّفق عليه ، ولكنّه في هذه النظرية وصف لمورد الخلاف ، أعني الفاسق ، فجعلوه معتزلاً عن الإيمان والكفر ، فلا هو مؤٌمن ولا كافر ، وتظهر تلك النّظرية من المسعودي في مروجه ، قال في بيان الأصل الرابع من الاُصول الخمسة : « وأمّا القول بالمنزلة بين المنزلتين وهو الأصل الرابع ، فهو أنّ الفاسق المرتكب للكبائر ليس بمؤمن ولا كافر ، بل يسمّى فاسقاً على حسب ما ورد التّوقيف بتسميته وأجمع أهل الصّلاة على فسوقه ».
قال المسعودي : « وبهذا الباب سمّيت المعتزلة ، وهو الاعتزال ، وهو الموصوف بالأسماء والأحكام مع ما تقدّم من الوعيد في الفاسق من الخلود في النار » (٢).
وقال أيضاً : « مات واصل بن عطاء ـ ويكنّى بأبي حذيفة ـ في سنة إحدى وثلاثين ومائة وهو شيخ المعتزلة وقديمها ، وأوّل من أظهر القول بالمنزلة بين المنزلتين وهو أنّ الفاسق من أهل الملّة ليس بمؤمن ولا كافر وبه سمّيت المعتزلة وهو الاعتزال » (٣).
والدقّة في قوله : « وبه سمّيت ... » ( أي بعزل الفاسق عن الإيمان والكفر ) تعطي أنّ وجه التسمية يعود إلى جعل الفاسق منعزلاً عنهما.
__________________
١ ـ شرح رسالة الحور العين : ص ٢٠٤ ـ ٢٠٥.
٢ ـ مروج الذهب : ج ٣، ص ٢٢٢، ط بيروت دار الأندلس.
٣ ـ نفس المصدر : ج ٤ ص ٢٢، ط بيروت دار الأندلس.