يلاحظ : أنّ نظرية النياية المشهورة عن المعتزلة ، مبنية على تخيّل كون الشيء وصفاً ملازم للزيادة دائماً ، فوقعوا بين المحذورين وتخلّصوا بالنيابة ، ومن المعلوم أنّ موجع النيابة إلى خلو الذات عن الكمال أولاً ، وكون الذات الفاقدة للعلم ، نائبة عن الذات المقرونة بها أشبه باللغز.
نعم ، بعض المعتزلة كأبي هذيل العلاف ( ١٣٠ ـ ٢٣٥ ) ذهب إلى نفس ماذهب الشيعة إليه ، وقد ذكرنا كلامه في الجزء الثاني (١).
الإحباط في عرف المتكلمين عبارة عن بطلان الحسنة ، وعدم ترتب مايتوقع منها عليها ، ويقابله التفكير وهو إسقاط السيئة بعدم جريان مقتضاها عليها فهو في المعصية نقيض الإحباط في الطاعة ، والمعروف عن الإماميّة والأشاعرة هو أنّه لاتحابط بين المعاصي والطاعات والثواب والعقاب ، والمعروف من المعتزلة هو التحاط (٢) ، ثمّ إنهم اختلفوا في كيفيته فمنهم من قال : من أنّ الإساءة الكثيرة تسقط الحسنات القليلة وتمحوها بالكلية من دون أنّ يكون لها تأثير في تقليل الإساءة وهو المحكي عن أبي علي الجبائي.
ومنهم من قال : بأنّ الإحسان القليل يسقط بالإساءة الكثيرة ولكنه يقلل في تأثير الإساءة فينقص الإحسان من الإساءة فيجري العبد بالمقدار الباقي بعد التنقيص، وهو المنسوب إلى أبي هاشم.
ومنهم من قال : إنّ الإساءة المتأخرة تحبط جميع الطاعات وإنّ كانت الإساءة أقل منها ، حتى قيل : إنّ الجمهور من المعتزلة ذهبوا إلى أنّ الكبيرة الواحدة ، تحبط ثواب
__________________
١ ـ لاحظ بحوث في الملل والنحل ٢ : ٨٤ نقلا عن شرح الاُصل الخمسة للقاضي عبدالجبار : ١٨٣، ومقالات الإسلاميين : ٢٢٥.
٢ ـ المفيد : أوائل المقالات : ٥٧. وسيوافيك نصوص المعتزلة في محلها.