أخير أنّ العصاة يعذّبون بالنار ويخلدون فيها ، والعاصي اسم يتناول الفاسق والكافر جميعاً فيجب حمله عليها لأنّه تعالى لو أراد أحدهما دون الآخر لبينة فلمّا لم يبيّنه دلّ على ما ذكرناه.
فإن قيل : إنّماأراد الله تعالى بالآية الكافر دون الفاسق ، ألاترى إلى قوله تعالى : ( وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ ) وذلك لايصيوّر إلاّفي الكفرة إلاّفالفاسق لابتعدى حدود الله تعالى أجمع. ثم أجاب عنه فلاحظ كلامه (١)
المشهور عن المعتزلة أنّهم لا يجوّزون العفو عن المسيء لاستلزامه الخلف ، وأنّه يجب العمل بالوعيد كالعمل بالوعيد ، والظاهر من القاضي أنها نظرية البغدادين من المعتزلة قال : اعلم أنّ البغدادية من أصحابنا أوجبت على الله أنّ يفعل بالعصاة ما يستحقونه لا محال ، وقالت : لايجوز أنّ يعفو عنهم ، فصار العقاب عندهم أعلى حالاً في الوجوب من الثواب ، فإن الثواب عندهم لايجب إلامن حيث الجود ، وليس هذا قولهم في العقاب فإنّه يجب فعله بكل حال (٢).
وذهبت الإماميّة إلى جواز العفو عن المسيء إذا مات بلاتوبة ، واستدل الشريف المرتضى بقوله سبحانه : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الحَسَنَةِ وقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبِلِهمُ المَثُلتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَة للنَّاسِ َعلَى ظُلْمِهِمْ َوإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الِعقَابِ ) ( الرعد / ٦ ). وقال : في هذه الآية دلالة على جواز المغفرة للمذنبين من أهل القبلة لإنّه سبحانه دلّنا على أنّه يغفر لهم مع كونهم ظالمين لأنّ قوله : ( على ظلمهم ) جملة حالية إشارة إلى الحال الّتي يكونون عليها ظالمين ، ويجري ذلك مجرى قول القائل :
__________________
١ ـ القاضي عبدالجبار : شرح الاُصول الخمسة : ٦٧٥.
٢ ـ القاضي عبدالجبار : شرح الاُصول الخمسة : ٦٤٤.