قال : فاعتبرنا أنّ يكون إزالة مثل الحكم الثابت لأنه لو زال عين ما كان ثابتاً من قبل لم يكن نسخاً بل كان نقضاً ، وهذا بخلاف البداء فإنه يتعلّق بعين ما كان ثابتاً. ومثاله أنّ يقول أحدنا لغلامه : إذا زالت الشمس ودخلت السوق فاشتر اللحم. ثم يقول له : إذا زالت الشمس ودخلت السوق فلا تشتر اللحم ، وهذا هو البدء وإنما سمي به لأنه يقتضي أنّه قد ظهر له من حال اشتراء اللحم ما كان خايفاً عليه كم قبل (١).
وقال أيضاً : الّذي يدل على البداء ، أنّ يأمر الله جلّ وعزّ بنفس مانهى عنه في وقت واحد على وجه واحد وهذا محال لانجيزه البتة (٢).
نحن لانحوم حول البداء وما هو الفرق بينه وبين النسخ، فقد أشبعنا الكلام فيه في نحوثنا الكلامية (٣).غير أنّ الّذي يتوجّه على كلام القاضي أنّ ما أحاله هو أيضاً من أقسام النسج لا من أقسام البداء المصطلح فإنه على قسمين :
١ ـ النسخ بعد حضور وقت العمل.
٢ ـ النسخ قبل حضور وقت العمل.
والّذي أحاله هو القسم الثاني ، وأمّا الوجه الّذي اعتمد عليه فموهون بأنه ربّما تترتّب المصلحة على نفس إنشاء الحكم وإنّ لم يكن العمل به مراداً جدياً كما هو الحال في أمر إبراهيم بذبح ولده ، والأوامر الامتحانية كلها من هذا القبيل فإذا شوهد من الإنسان القيام بمقدّمات الواجب ، ينسخ الحكم ، وعلى كل تقدير فما سماه بداء ، ليس هو محل النزاع بين الإماميّة وغيرهم.
والبداء عندهم عبارة عن تغيير المصير الأعمال الصالحة أو الطاعة وهو شيء
__________________
١ ـ القاضي عبدالجبار : شرح الاُصول الخمسة : ص ٥٨٤، ٥٨٥.
٢ ـ رسائل العدل والتوحيد ١، رسالة القاضي عبد الجبار / ٢٤١.
٣ ـ لاحظ الالهيات : ج ١، ص ٥٦٥.