ولقد أجاد أبوالحسين الخيّاط ، حيث جعل الاعتقاد بالاُصول الخمسة ملاكاً لصدق الاعتزال وكون المعتقد معتزلياً. قال : « الاعتزال قائم على أصول خمسة عامّة ، من اعتقد بها جميعاً كان معتزلياً ، ومن نقص منها أو زاد عليها ولو أصلاً واحداً لم يستحقّ اسم الاعتزال ، وتلك الاُصول مرتّبة حسب أهميتها وهي :
١ ـ التوحيد ، ٢ ـ العدل ، ٣ ـ الوعد والوعيد ، ٤ ـ المنزلة بين المنزلتين ، ٥ ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (١).
إنّ عدّ أمثال الشريف المرتضى من المعتزلة بحجّة قوله بالتوحيد والعدل ، يستلزم أنّ يعدّ شيخه كالمفيد وتلميذه كالطوسي منهم. مع أنّ موقف هؤلاء من تلك الطّائفة موقف النقد والردّ. وقد ردّ الشيخ المفيد ( م ٤١٣ ) في أكثر كتبه عليهم ، لا سيمّا في كتابه « أوائل المقالات » كما نقد الشريف المرتضى ( م ٤٣٦ ) خصوص الجزء العشرين من « المغني » للقاضي عبد الجبّار وأسماه « الشّافي » واختصره تلميذه شيخ الطّائفة الطوسي ( م ٤٦٠ ) وأسماه « تلخيص الشافي » وقد انتشر الجميع بطباعة قديمة وحديثة ، ومن طالع تلك الكتب يقف على أنّ موقف الشيعة الإماميّة من المعتزلة موقف الموافقة في بعض الاُصول والمخالفة في البعض الآخر ، كشأنهم مع الأشاعرة وغيرهم من الطّوائف الإسلاميّة.
والعجب أنّ أكثر من كتب عن المعتزلة من المتأخّرين اشتبه عليهم الأمر ، وربّما عدّوا أعلام الإماميّة من مشايخ الاعتزال وروّاد منهجه ، والشيعة الإماميّة بفضل علوم أئمّتهم ونصوص رواياتهم في غنى عن كلّ منهج لا يمتّ بالكتاب والعترة ( أعداله وقرنائه ) بصلة.
وهذا الفصل الّذي نقدّمه للقرّاء يختص بتعريف أئمّة المعتزلة ومشايخهم الكبار ، الّذين نضج المذهب بأفكارهم وآرائهم ووصل إلى القمّة في الكمال.
وأمّا أعلام الطّائفة الّذين كان لهم دور في تبنّي هذا الخطّ من دون أنّ يتركوا أثراً
____________
١ ـ الانتصار : ص ٥، ومقالات الاسلاميين للأشعري : ج ١، ص ٢٧٨.