شيء معلوم لله سبحانه في الأزل. غير أنّ علمه الأزلي لا يصيِّر الإنسان مسيّراً مكتوف الأيدي ، لأنّ علمه سبحانه لم يتعلّق بصدور كلّ فعل عن الإنسان على الإطلاق وبأيّ وجه كان ، وإنّما تعلّق بصدوره منه في ظلّ المبادئ الموجودة فيه ، ومنها الإرادة والاختيار والحريّة والانتخاب وباختصار; علمه سبحانه تعلّق بأنّ الإنسان فاعل مختار يفعل كلّ شيء بإرادته ومثل هذا العلم لو لم يؤكّد الاختيار لما كان سبباً للجبر.
وقد أوضحنا هذا الجواب عند البحث عن عموم مشيئته سبحانه وعلمه في الجزء الثاني من هذه الموسوعة :
نعم ، عمرو بن عبيد وكلّ من يعتقد بعدله سبحانه لا يجنح إلى روايات القدر الّتي تعرِّف الإنسان كالريشة في مهبِّ الريح. ولقد ذكرنا نزراً من تلك الأحاديث في كتابنا هذا.
روي أنّ عمرو بن عبيد وفد على محمّد بن عليّ الباقر عليهالسلام لامتحانه بالسؤال عن بعض الآيات ، فقال له : « جعلت فداك ، ما معنى قوله تعالى : ( أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمواتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ) ( الانبياء / ٣٠ ) ما هذا الرّتق والفتق؟ فقال أبو جعفر عليهالسلام : كانت السّماء رتقاً لا ينزل القطر وكانت الأرض رتقاً لا تخرج النّبات ، ففتق الله السّماء بالقطر ، وفتق الأرض بالنبات ». فانطلق عمرو ولم يجد اعتراضاً ومضى.
ثمّ عاد إليه فقال : أخبرني جعلت فداك عن قوله تعالى : ( ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ) ( طه / ٨١ ) ما غضب الله؟ فقال له أبو جعفر عليهالسلام : « غضب الله تعالى عقابه يا عمرو. من ظنّ أنّ الله يغيّره شيء فقد كفر » (١).
__________________
١ ـ بحار الأنوار : ج ٤٦، ص ٣٥٤ نقلاً عن المناقب لابن شهر آشوب. وغيره.