جبراً وتعجيزاً ، حتّى لو خلاّهم لكانوا قادرين على أن يأتوا بسورة من مثله بلاغة وفصاحة ونظماً » (١).
أقول : لا شكّ أنّ مذهب الصرفة في إعجاز القرآن مذهب مردود بنصّ القرآن وإجماع الاُمّة ، لأنّ مذهب الصرف يرجع إلى أنّ القرآن لم يبلغ في مجال الفصاحة والبلاغة حدّ الإعجاز، حتّى لا يتمكّن الإنسان العادي من مباراته ومقابلته ، بل هو في هذه الجهة لا يختلف عن كلام الفصحاء والبلغاء ، ولكنّه سبحانه يحول بينهم وبين الإتيان بمثله ، إمّا بصرف دواعيهم عن المعارضة ، أو بسلب قدرتهم عند المقابلة.
ومن المعلوم أنّ تفسير إعجاز القرآن بمثل هذا باطل جدّاً لأنّ القرآن عند المسلمين معجز لكونه خارق للعادة لما فيه من ضروب الإعجاز في الجوانب الأربعة : ١ ـ الفصاحة القصوى ٢ ـ البلاغة العليا ٣ ـ النظم المخصوص ٤ ـ الاُسلوب البديع. فقد تجاوز عن حدِّ الكلام البشري ووصل إلى حدّ لا تكفي في الاتيان بمثله القدرةُ البشريّة.
يقول الطّبرسى في تفسير قوله : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ والجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِيراً ) ( الإسراء / ٨٨ ) « معناه قل يا محمد لهؤلاء الكفّار : لئن اجتمعت الإنس والجنّ متعاونين متعاضدين على أن يأتوا بمثل هذا القرآن من فصاحته وبلاغته ونظمه على الوجوه الّتي هو عليها من كونه في الطبقة العليا من البلاغة والدرجة القصوى من حسن النظم وجودة المعاني وتهذيب العبارة .. لعجزوا عن ذلك ولم يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً » (٢).
إنّ مذهب الصرفة كمذهب الصّدفة لدى المادِّيين في الوهن والبطلان ، فإنّه سبحانه أرفع شأناً من أن يأمر الإنسان والجنّ بأن يباروا القرآن ، ويرضى منهم بمباراة بعضه لو تعذّر عليهم الكل ، ثمّ يعترض سبيلهم ويصرف منهم القوّة والهمّة ويمنعهم
__________________
١ ـ الملل والنحل : ج ١ ص ٥٦ ـ ٥٧.
٢ ـ مجمع البيان : ج ٦ ص ٦٧٦.