وقال أيضاً في تفسير قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم « قيّدوا العلم بالكتاب » : « وذكر لي قاضي القضاة أبو الحسن عبدالجبّار بن أحمد عند قراءتي عليه ما قرأته من كتابه الموسوم بالعمد في اُصول الفقه : إنّ هذه العلوم المخصوصة ( العلوم العقليّة العمليّة كالتّحسين والتّقبيح العقليّين ) إنّما سمّيت عقلاً ، لأنّها تعقل من فعل المقبّحات ، لأنّ العلم بها إذا دعته نفسه إلى ارتكاب شيء من المقبّحات ، منعه علمه بقبحه من ارتكابه والاقدام على طرق بابه ، تشبيهاً بعقال الناقة المانع لها من الشرود ، والحائل بينها وبين النهوض. ولهذا المعنى لم يوصف القديم تعالى بأنّه عاقل ، لأنّ هذه العلوم غير حاصلة له ، إذ هو عالم بالمعلومات كلّها لذاته.
قال : وقيل أيضاً إنّما سمِّيت هذه العلوم المخصوصة عقلاً ، لأنّ ما سواها من العلوم يثبت بثباتها ويستقرّ باستقرارها تشبيهاً بعقال الناقة الّذي به تثبت في مكانها ، ولمثل ذلك قيل معقل الجبل للمكان الذي يلجأ إليه ويعتصم به ، وله سمّيت المرأة عقيلة ، وهي الّتي يمنعها شرف بيتها وكرم أهلها وقوّة حزمها من الإقدام على ما يشينها ، والتعرّض لما يعيبها. والكلام في تفصيل هذه العلوم وبيان ما لأجله احتيج إلى كلّ واحد منها يطول وليس هذا الكتاب من مظانّ ذكره ومواضع شرحه » (١).
__________________
١ ـ المجازات النبوية للشريف الرضي تحقيق طه محمد طه ص ١٨٠ ـ ١٨١.