ودفن ولم يعمق قبره فنبشته الكلاب وأكلته » (١).
هذا حال صديق الرّجل وزميله ، فاعرف حاله من حاله. فإنّ الرجل على دين جليسه.
تدلّ آثاره على أنّ الرجل كان متلوّناً في حياته غير جانح إلى فئة ، بل كان كالريشة في مهبّ الريح يميل مع كلّ ريح ، فتارة يكون عثماني الهوى ويؤلّف كتاباً في ذلك ويدعمه بكتاب آخر في إمامة المروانيّة وخلافة الشجرة الملعونة في القرآن ، واُخرى علويّاً يجمع الكلم القصار لعليّ عليهالسلام يفضّل عليّاً على غيره. قال ابن قتيبة في شأنه : « تجده يحتجّ مرّة للعثمانيّة على الرافضة ، ومرّة للزيديّة على العثمانيّة وأهل السنّة ، ومرّة يفضّل عليّاً رضياللهعنه ومرّة يؤخّره ... إلى أن قال : ويعمل كتاباً يذكر فيه حجج النّصارى على المسلمين ، فإذا صار إلى الردّ عليهم تجوّز في الحجّة كأنّه انما أراد تنبيههم على ما لا يعرفون وتشكيك الضعفة من المسلمين. وتجده يقصد في كتبه المضاحيك والعبث ، يريد بذلك استمالة الأحداث وشرّاب النّبيذ.
ويستهزئ من الحديث استهزاءً لا يخفى على أهل العلم كذكره كبد الحوت وقرن الشيطان وذكر الحجر الأسود وأنّه كان أبيض فسوّده المشركون ، وقدكان يجب أن يبيّضه المسلمون حين أسلموا ويذكر الصّحيفة الّتي كان فيها المنزل في الرضاع تحت سرير عائشة فأكلتها الشاة.
وهو مع هذا من أكذب الاُمّة وأوضعهم للحديث وأنصرهم للباطل » (٢).
وقال المسعودي في « مروج الذّهب » عند ذكر الدّولة العبّاسية : « وقد صنّف الجاحظ كتاباً استقصى فيه الحجاج عند نفسه ، وأيّده بالبراهين وعضده بالأدلّة فيما تصوّره من عقله وترجمه بكتاب « العثمانيّة » يحلّ فيه عند نفسه فضائل عليّ عليهالسلام
__________________
١ ـ وفيات الأعيان ج ٥ ص ١٠٢، ط دار صادر.
٢ ـ تأويل مختلف الحديث : ص ٥٩ ـ ٦٠.