من المؤوِّلة ، وبذلك يتّضح كونه بين الأشعري والمعتزلي ، وإليك نصّه في مورد استوائه على العرش :
قال : « وأمّا الأصل عندنا في ذلك أنّ اللّه تعالى قال ليس كمثله شيء » فنفى عن نفسه شبه خلقه ، وقد بيّنا أنّه في فعله وصفته متعال عن الأشباه ، فيجب القول بـ ( الرّحمنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوى ) على ما جاء به التنزيل ، وثبت ذلك في العقل ، ثمّ لا نقطع تأويله على شيء ، لاحتماله غيره مما ذكرنا ، واحتماله أيضاً ما لم يبلغنا ممّا يعلم أنّه غير محتمل شبه الخلق ، ونؤمن بما أراد اللّه به ، وكذلك في كلّ أمر ثبت التنزيل فيه ، نحو الرؤية وغير ذلك ، يجب نفي الشبه عنه ، والإيمان بما أراده من غير تحقيق على شيء دون شيء ، واللّه الموفِّق » (١).
اتّفق الداعيان على وجوب معرفة الله ، واختلفا في طريق ثبوت هذا الوجوب ، فالأشعري وأتباعه على أنّه سمعي ، والمعتزلة على أنّه عقلي ، قال العضدي في المواقف : النّظر إلى معرفة اللّه واجب إجماعاً ، واختلف في طريق ثبوته ، فهو عند أصحابنا السمع ، وعند المعتزلة العقل. أمّا أصحابنا فلهم مسلكان :
الأوّل : الاستدلال بالظّواهر مثل قوله تعالى : ( قُلِ انْظُرُوا مَاذا فِي السَّمواتِ وَالأَرْضِ ) إلى آخره (٢).
ولا يخفى وهن النّظرية ، لاستلزامها الدور ، لأنّ معرفة الإيجاب تتوقّف على معرفة الموجِب ، فإنّ من لا نعرفه بوجه من الوجوه ، كيف نعرف أنّه أوجب؟ فلو استفيدت معرفة الموجِب من معرفة الإيجاب ، لزم الدور.
وأيضاً : لو كانت المعرفة تجب بالأمر ، فهو إمّا متوجّه إلى العارف باللّه أو غيره ،
__________________
١ ـ التوحيد للماتريدي : ص ٧٤.
٢ ـ المواقف : ص ٢٨ وشرحها ج ١ ص ١٢٤و الآية ١٠١ من سورة يونس ..