بالجنّة ، وكيفيّة العقاب وكونه بالنّار ، فشرعي ، واختار ذلك الامام القفّال الشاشي ، والصيرفي ، وأبو بكر الفارسي ، والقاضي أبو حامد ، وكثير من متقدّميهم ، كما في القواطع للامام أبي المظفّر السمعاني الشافعي والكشف الكبير ، وهو مختار الامام القلانسي ومن تبعه كما في ( التبصرة البغدادية ). ولا يجوز نسخ مالا يقبل حسنه أو قبحه السقوط كوجوب الايمان ، وحرمة الكفر واختاره المذكورون ـ إلى أن قال : ـ ويستحيل عقلاً اتّصافه تعالى بالجور وما لا ينبغي ، فلا يجوز تعذيب المطيع ، ولا العفو عن الكفر ، عقلاً ، لمنافاته للحكمة ، فيجزم العقل بعدم جوازه ، كما في التنزيهات (١).
وغير خفيّ على النابه أنّ الشيخ الماتريدي قد اعترف بما هو المهمّ في باب التحسين والتقبيح العقليين وإليك الاشارة إليه :
١ ـ استقلال العقل بالمدح والذمّ في بعض الأفعال ، وهذا هو محلّ النزاع في بابهما بأن يجد العقل من صميم ذاته أنّ هنا فعلين مختلفين يستحقّ فاعل أحدهما المدح ، وفاعل الآخر الذم ، سواء أكان الفاعل بشراً ، أم انساناً ، أم ملكاً ، أم غيرهما ، وتبتنى عليه اُصول كثيرة كلاميّة أوعزنا إليها عند عرض عقائد الأشعري وآرائه.
٢ ـ استقلال العقل بكونه سبحانه عادلاً ، فلا يجوز عليه تعذيب المطيع ، وأين هو ممّا يقول به الأشعري من أنّه يجوز للّه سبحانه أن يؤلم الأطفال في الآخرة وهو عادل إن فعله (٢).
٣ ـ نعم أنكر الشيخ إيجاب العقل للحسن والقبح ، ولكنّه لو كان واقفاً على مغزى إيجاب العقل لم يعترض عليه ، إذ لا يوجد في أديم الأرض إنسان عاقل عارف بمقام الربّ والخلق ، يجعل العقل موجِباً ومكلِّفاً ـ بالكسر ـ واللّه سبحانه موجَباً ومكلَّفاً ـ بالفتح ـ، لأنّ شأن العقل هو الادراك ، ومعنى إيجابه القيام بالحسن ، والاجتناب عن ضدّه ، هو استكشافه لزوم القيام بالأوّل وامتناع القيام بالثّاني بالنّظر إلى
__________________
١ ـ اشارات المرام : فصل الخلافيات بين الماترديّة والأشاعرة ، ص ٥٤.
٢ ـ اللمع : ص ١١٦.