أ ـ نفي الصفات الزائدة على ذاته
اتّفق أهل الحديث والكلابيّة وتبعهم الشيخ الأشعري على أنّ لله سبحانه صفات ذات كماليّة قديمة ، زائدة على ذاته.
قال القاضي : « وعند الكلابيّة إنّه تعالى يستحقّ هذه الصفات لمعان أزليّة ، وأراد بالأزلي القديم ، إلاّ أنّه لمّا رأى المسلمين متّفقين على أنّه لا قديم مع الله تعالى لم يتجاسر على إطلاق القول بذلك ، ثمّ نبغ الأشعري وأطلق القول بأنّه تعالى يستحقُّ هذه الصّفات لمعان قديمة لوقاحته وقلّة مبالاته بالإسلام والمسلمين » (١) ورائدهم في هذه العقيدة هو الظّواهر القرآنية. قال سبحانه : ( أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ) ( النساء / ١٦٦ ) ، وقال تعالى : ( وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إلاّ بِعِلْمِهِ ) ( فاطر / ١١ ). وقال عزّ من قائل : ( ذو القوّة المتين ) ( الذاريات / ٥٨ ).
قالوا : إنّ ظواهر هذه الآيات تعرب عن أنّ هنا ذاتاً ولها علم ولها قدرة كلاهما يغايران ذاته. ولو كانا نفس ذاته لما صحّ التعبير بقوله ( أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ) أو ( ذُو القوة المتين ) ومثلها سائر الآيات الظاهرة في مغايرة الصّفات للذات (٢).
هذا دليل أهل الحديث والكلابيّة والأشاعرة ونرجع إلى تبيين مفاد الآيات بعد الفراغ من دليل المعتزلة.
تثنية القديم في نظريّة أهل الحديث
إنّ هذه النظريّة الّتي يتبنّاها أهل الحديث اغتراراً بظواهر النّصوص، تؤدّي إلى تعدّد القديم المنتهي إلى تعدّد الواجب حسب عدد الصفات ، وأيّ ثنويّة أسوأ من هذه؟ فلو قالت الثنويّة بأصلين أزليّين هما النور والظلمة ، وقالت المانويّة بأنّ العالم مركّب من أصلين قديمين أحدهما نور والآخر ظلمة ، أو قالت النّصارى بالأقانيم
__________________
١ ـ شرح الاُصول الخمسة : ص ١٨٣.
٢ ـ لاحظ : الابانة للشيخ الأشعري : ص ١٠٧.