القدرة والاختيار في الإنسان ، فاعلاً موجباً في اتّصافه بصفاته ، فلو صحّ كونه موجباً في مورد ، فليصحّ في سائر الموارد ككونه فاعلاً موجباً بالقياس إلى مصنوعاته.
وهذه الاُمور هي الحوافز الحقيقية الّتي دعت المعتزلة إلى القول بالتوحيد والتنزيه في باب الصفات ونفي الصفات الزائدة والمعاني القائمة بذاته ، ولم يكن الحافز إلاّ الفرار عن الثنويّة وتوابعها.
ومن الجسارة الواضحة بل الظلم الفاحش اتّهام هذه الفرقة بما كتبهم عنه أهل الملل والمقالات. فهذا الأشعري يتّهمهم بقوله « أرادت المعتزلة أن تنفي أنّ الله عالم قادر حيّ سميع بصير ، فمنعهم خوف السيف من إظهارهم نفي ذلك ، فأتوا بمعناه ، لأنّهم إذا قالوا : لا علم لله ولا قدرة له ، فقد قالوا : إنّه ليس بعالم ولا قادر ووجب ذلك عليهم ، وهذا إنّما أخذوه عن أهل الزندقة والتعطيل ، لأنّ الزنادقة قال كثير منهم إنّ الله ليس بعالم ولا قادر ولا حيّ ولا سميع ولا بصير ، فلم تقدر المعتزلة أن تفصح بذلك فأتت بمعناه وقالت : إنّ الله عالم قادر حيّ سميع بصير من طريق التسمية ( الكتاب والسنّة ) من غير أن يثبتوا له حقيقة العلم والقدرة والسّمع والبصر.
وحاصل (١)تحليل الشيخ أنّ المعتزلة كانت بصدد نفي الأسماء والصفات وفاقاً للزنادقة ، فلم يقدروا عليه خوفاً من السلطة ، ولكنّهم نفوا العلم والقدرة والحياة حتّى يتسنّى لهم نفي الأسماء والصفات ( العالم والقادر ) بالملازمة ، فمثلهم كمثل من خرج من الباب موهماً للانصراف ثمّ دخل من النافذة.
تلك والله جرأة في الدين وجسارة بلا مبرّر ، والآثار الباقية من المعتزلة تبيّن لنا جهة إصرارهم على نفي الصفات الزائدة على الذات. وليست الغاية نفي أسمائه وصفاته وتصوير كونه سبحانه غير عالم ولا قادر ، بل الغاية نفي الثنويّة وتعدُّد الواجب.
قال القاضي : « لو كان عالماً بعلم ، لكان لا يخلو إمّا أن يكون موجوداً أو معدوماً ،
__________________
١ ـ الابانة : ص ١٠٧ ـ ١٠٨.