بالاطلاق ، لأنّ العرف لا يتوجّه إلى هذه الدّقائق ، وأهل الدقّة غير غافلين عن هذا الفرق ، وارتكاب خلاف الظواهر بهذا المقدار فراراً عن الاشكالات العقليّة كثير النظير (١).
ثمّ إنّ القائلين بوحدة الصّفات مع الذات لا يعنون منها الوحدة من حيث المفهوم والموضوع له ، بداهة أنّ ما يفهم من لفظ الجلالة في قولنا « الله عالم » غير ما يفهم من المحمول كلفظ « العالم » وإنّما يعنون بها الوحدة من حيث العينيّة والتحقّق ، بمعنى أنّ ما هو المصداق للفظ الجلالة هو المصداق للفظ العالم ، وهكذا سائر الصفات.
برهان بديع لاثبات الوحدة
ثمّ إنّ لأهل التّحقيق في إثبات الوحدة العينيّة براهين دقيقة نكتفي بذكر واحد منها :
« إنّ بديهة العقل حاكمة بأنّ ذاتاً ما إذا كان لها من الكمال ما هو بحسب نفس ذاتها ، فهي أفضل وأكمل من ذات لها كمال زائد على ذاتها ، لأنّ تجمّل الاُولى بذاتها ، وتجمّل الثانية بصفاتها. وما تجمّل بذاته أشرف ممّا يتجمّل بغير ذاته ، وإن كان ذلك الغير صفاته. وواجب الوجود يجب أن يكون في أعلى ما يتصوّر من البهاء والشّرف والجمال ، لأنّ ذاته مبدأ سلسلة الوجودات وواهب كلّ الخيرات والكمالات ، والواهب المفيض لا محالة أكرم وأمجد من الموهوب المفاض عليه ، فلو لم يكن كماله بنفس حقيقته المقدّسة ، بل مع اللّواحق لكان المجموع من الذات واللّواحق أشرف من الذات المجرّدة ، والمجموع معلول فيلزم أن يكون المعلول أشرف وأكمل من علّته وهو محال بيّن الاستحالة » (٢).
هذا هو واقع النّظرية وحقيقتها ، وأنت إذا لاحظت دليلها وما أوضحناها به
__________________
١ ـ قال سبحانه ( الآن خفف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً ) ( الانفال / ٦٦ ) فهل يمكن الأخذ بظاهره البدئي في أنّه لم يكن عالماً قبله.
٢ ـ الاسفار : ج ٦، ص ١٣٤ ـ ١٣٥.