والماتريدي مخالف صنوه الداعي ويقول : « ولا يجوز التكليف بما لا يطاق لعدم القدرة أو الشرط ، واختاره الاُستاذ أبو إسحاق الاسفرائيني كما في ( التبصرة ) وأبوحامد الاسفرائيني كما في شرح السبكي لعقيدة أبي منصور » (١).
هذا ما نقله البياضي عن الماتريديّة ، وأمّا نفس أبي منصور فقد فصّل في كتابه « التوحيد » بين مضيِّع القدرة فيجوز تكليفه ، وبين غيره فلا يجوز. قال : « إنّ تكليف من مُنع عن الطاقة فاسد في العقل ، وأمّا من ضيّع القوّة فهو حقّ أن يكلّف مثله ، ولو كان لا يكلّف مثله لكان لا يكلّف إلاّ من يطيع » (٢).
يلاحظ عليه :
١ ـ أنّ من الاُصول المسلّمة عند العقل ، كون الامتناع بالإختيار غير مناف للإختيار ، فمن ألقى نفسه من شاهق عن اختيار فقد قتل نفسه اختياراً ، فالقتل بعد الإلقاء وإن كان خارجاً عن الاختيار ، ولكنّه لمّا كان الإلقاء ـ الّذي يُعدّ من مبادئ القتل ـ في اختياره ، يعدّ القتل فعلاً اختياريّاً لا اضطراريّاً.
٢ ـ أنّ من فقد القدرة ، وعجز عن القيام بالعمل ، سواء أكان بعامل اختياريّ أم غيره ، لا يصحّ تكليفه به عن جد ، لأنّ فاقد القدرة والجماد في هذه الجهة سواسية ، فلا تظهر الارادة الجدّية في صقع الذهن ، ولو خوطب العاجز فإنّما يخاطب بملاكات أُخر من التقريع ، والتنديد ، وغيرهما.
وفي ضوء هذين الأمرين يستنتج أنّ من ضيّع قدرته يُعذَّب ، لما تقرّر من أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، ولكن لا يصحّ تكليفه بعد الضياع ، للغويّة الخطاب واستهجانه ، وبذلك يظهر وهن برهان المفصّل من أنّه لو لم يصحّ تكليف المضيِّع للقدرة لاختصّ التكليف بالمطيع ، لما عرفت من أنّ سقوط التكليف والخطاب
__________________
١ ـ اشارات المرام : ص ٥٤ في فصل الخلافيات بين جمهور الماتريدية والأشعرية.
٢ ـ التوحيد : ص ٢٦٦.