الأصل الثاني
العدل
هذا هو الأصل الثّاني من الاُصول الخمسة ، والأصل الأوّل يهدف إلى تنزيه ذاته سبحانه عمّا لا يجوز حمله عليه ، وتمييزه عمّا يجوز، وهذا يهدف إلى أفعاله سبحانه وتمييز ما يجوز عليه عمّا لا يجوز، فإذا وصفنا القديم تعالى بأنّه عدل حكيم ، فالمراد به أنّه لا يفعل القبيح أو لا يختاره ولا يخلّ بما هو واجب عليه وإنّ أفعاله كلّها حسنة. وخالفتهم المجبِّرة وأضافت إلى الله تعالى كلّ قبيح ، وقد تعرّفت على تعريف القاضي لهذا الأصل في مدخل البحث عن الاُصول الخمسة.
وخلاصة هذا الأصل عند العدليّة من غير فرق بين المعتزلة والإماميّة ، هو أنّ الله عزّوجلّ عدل كريم ، خلق الخلق لعبادته ، وأمرهم بطاعته ، ونهاهم عن معصيته ، وعمّهم بهدايته ، بدأهم بالنِّعم وتفضّل عليهم بالاحسان. لم يكلِّف أحداً إلاّ دون الطاقة ، ولم يأمره إلاّ بما جعل له عليه الاستطاعة. لا عبث في صنعه ولا قبيح في فعله. جلّ عن مشاركة عباده في الأفعال ، وتعالى عن اضطرارهم إلى الأعمال لا يعذِّب أحداً إلاّ على ذنب فعله ، ولا يلوم عبداً إلاّ على قبيح صنعه. لا يظلم مثقال ذرّة ، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً.
ثمّ إنّ لهذا الأصل دوراً كبيراً في تطوير المسائل الكلاميّة ، وهو الحجر الأساس لكثير من آراء المعتزلة كما نشير إليها. وهو يبتنى على التّحسين والتّقبيح العقليّين ، فلو ثبتا بالبرهان العقلي ، يثبت العدل كما ثبت كلّ ما بنى عليه من المسائل ، وإلاّ يصبح الأساس والبناء خاليين من البرهان. وترى ما ذكرنا في نصّ القاضي ، يقول :