وحتى يقال بأنّ خالق القبيح والحسن خالق لقبحه أو حسنه. فالطريق الأوسط ، الاستدلال على علمه بالحسن والقبيح بعلم الإنسان بهما ، والله سبحانه عالم بما خلق ، وبما ينطوي عليه مخلوقه من التصورات والتّصديقات.
فاذا كان حسن الأشياء وقبحها بذاتها معلومة للإنسان المخلوق ، فهي معلومة له بالضرورة ، لانتهاء ما في الكون إلى الله سبحانه. قال تعالى : ( ألا يعلم من خلق وهو الّلطيف الخبير ) ( الملك / ١٤ ) وقد تعرّفت في البيان الّذي أوضحنا به دليل أبي عبدالله البصري أنّ العقل يدرك أن هنا شيئاً حسناً لدى الكلّ وقبيحاً كذلك. فلا يختصّ قبح الأشياء ولا حسنها بشخص دون آخر.
وأماّ الأمر الثالث : فقد استدلّوا عليه بما ورد في الكتب الكلاميّة من أنّ القبيح لا يختاره إلاّ الجاهل بالقبح أو المحتاج إليه ، وكلاهما منفيّان عنه تعالى ، ولأجل ذلك إنّ الظّلمة والفسقة لا يرتكبون القبائح إلاّ لجهلهم بقبحها أو لاعتقادهم أنّهم سيحتاجون إليها في المستقبل ، كما في غصب الأموال.
يلاحظ عليه : أنّ هذا الدّليل مبنيّ على كون فاعليّة الواجب بالدّاعي الزائد على ذاته ، وهو خلاف التّحقيق لكونه تامّاً في الفاعليّة. فلا يكون في الايجاد محتاجاً إلى شيء وراء ذاته.
والأولى أن يقرّر بأنّ مقتضى التّحسين والتّقبيح العقليّين ـ على ما عرفت ـ هو أنّ العقل بما هو هو ، يدرك أنّ هذا الشيء بما هو هو ، حسن أو قبيح ، وأنّ أحد هذين الوصفين ثابت للشيء بما هو هو ، من دون دخالة ظرف من الظروف أو قيد من القيود ، ومن دون دخالة درك مدرك خاصّ.
وعلى ذلك فالعقل في تحسينه وتقبيحه يدرك واقعيّة عامّة ومتساوية بالنسبة إلى جميع المدركين والفاعلين ، من غير فرق بين الممكن والواجب. فالعدل حسن يمدح فاعله عند الجميع ، والظّلم قبيح يذمّ فاعله عند الجميع ، وعلى هذا الأساس فالله سبحانه ، المدرك للفعل ووصفه ـ أعني استحقاق الفاعل للمدح أو الذمّ من غير