الوقوع.
يلاحظ عليه : أنّ معناه نفي القدرة وتوصيفه سبحانه بالايجاب أوّلاً ، وأن تعلّق العلم بوقوعه لا يخرجه عن الاختيار ثانياً ، لأنّه تعلّق بصدوره عنه سبحانه اختياراً لا اضطراراً وإيجاباً وقد قلنا نظير ذلك في تعلّق علمه سبحانه بصدور أفعال العباد عنهم. فلاحظ (١).
٢ ـ ذهب البلخي إلى عدم قدرته تعالى على مثل مقدور العبد ، لأنّه إمّا طاعة ، أو معصية ، أو عبث. وهو منزّه عن أن يكون مطيعاً ، أو عاصياً ، أو عابثاً.
وقد غفل عن أنّ الاطاعة والمعصية ، ليستا من الاُمور الحقيقيّة الدّخيلة في ماهيّة العمل ، فلو قام إنسان كالخليل لبناء بيت امتثالاً لأمره سبحانه ، فالله سبحانه يقدر على إيجاد بيت مثله ، والفعلان متّحدان ماهيّة وهيئة ، وإن كان الأوّل مصداقاً للاطاعة دون الآخر.
وبعبارة أُخرى : أنّ الاطاعة أمر انتزاعيّ ينتزعه العقل من مطابقة المأتي به لما أمر به المولى ، وعلى هذا فهناك واقعيّتان : الأوّل : الأمر ، الثاني ، المأتيّ به ، وأمّا الموافقة والمخالفة فهما أمران ذهنيّان يتواردان على الذّهن من ملاحظتهما ، فإن وجد بينهما المشابهة أو المخالفة يعبّر عن الاُولى بالطّاعة ، وعن الثانية بالعصيان ، وليس لهما واقعيّة وراء الذهن ، فلا تكون الحقيقة الخارجيّة سواء صدرت عن الله سبحانه ، أو عن عباده ، أمرين متباينين.
٣ ـ ذهب الجبّائيان إلى عدم قدرته تعالى على عين مقدور العبد ، وإلاّ لزم اجتماع النقيضين إذا أراده الله وكرهه العبد ، أو بالعكس.
يلاحظ عليه : أنّه كان على القائل الاستدلال بوجه آخر ، وهو أنّه يلزم حينئذ اجتماع العلّتين على معلول واحد. ومع ذلك كلّه ، فما جاء في الاستدلال نشأ من فكرة ثنويّة ناشئة عن مبادئ الاعتزال ، فتخيّل أنّ فعل العبد يجب أن يكون مخلوقاً للعبد
__________________
١ ـ لاحظ الجزء الثاني : ص ٣٠١ ـ ٣٠٧.