العدم لما ضرّ عدمه وجود العالم ، لأنّ العالم عندهم إنّما احتاج إلى الباري تعالى في أن أوجده أي أخرجه من العدم إلى الوجود ، حتّى كان بذلك فاعلاً. فإذا قد فعل وحصل له الوجود عن العدم ، فكيف يخرج بعد ذلك إلى الوجود عن العدم حتّى يحتاج إلى الفاعل » (١).
أقول : ما نقله الشيخ عنهم مبنيّ على أنّ مناط حاجة الممكن إلى العلّة هل هو إمكانه أو حدوثه ، فمن قال بالثاني ، صوّر الممكن غنياً في بقائه ـ فضلاً عن فعله ـ عن الواجب. ومن قال بالأوّل ، أظهر الممكن محتاجاً في كلِّ حال من الأحوال إلى الواجب حدوثاً وبقاءً وذاتاً وفعلاً. وبما أنّ التّحقيق كون مناط الحاجة هو الامكان ، فإذاً يصبح التّفويض أمراً باطلاً لا يحتاج إلى التّدليل أكثر من ذلك.
ولأجل ذلك نأتي ببعض الدّلائل المتقنة على أنّ مناط الحاجة هو الامكان ، وهو لا يزول عن الممكن أبداً. فذاته تتعلّق به دائماً ، فكيف بأفعاله ، فانتظر.
٨ ـ الظّاهر من الشيخ المفيد موافقة المعتزلة للإماميّة في مسألة أفعال العباد. قال : « إنّ الله عدل كريم ـ إلى أن قال : ـ جلّ عن مشاركة عباده في الأفعال ، وتعالى عن اضطرارهم إلى الأعمال. لا يعذّب أحداً إلاّ على ذنب فعله ، ولا يلوم عبداً إلاّ على قبيح صنعه. لا يظلم مثقال ذرّة ، فإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً.
وعلى هذا القول جمهور أهل الإمامة ، وبه تواترت الآثار عن آل محمّد عليهمالسلام وإليه يذهب المعتزلة بأسرها إلاّ ضراراً منها وأتباعه. وهو قول كثير من المرجئة ، وجماعة من الزيديّة والمحكّمة ، ونفر من أصحاب الحديث ، وخالف فيه جمهور العامّة وبقايا ممّن عددناه » (٢).
وماذكره الشيخ المفيد يعرب عن أنّ المعتزلة في ذلك العصر لم تكن معتقدة بالتّفويض ، وإلاّ لم يعدّها الشيخ متّحدة مع الإماميّة القائلة بنفي الجبر والتفويض
__________________
١ ـ الاشارات ، للشيخ الرئيس : ج ٣، ص ٦٨.
٢ ـ أوائل المقالات : ص ٢٤ ـ ٢٥.