وأمّا استعمال كلمة الخلق في مورد الفعل بأن يقال : « خلق الفعل والعمل » فليس بمعهود ، وإنّما هو اصطلاح تسرّب إلى كلمات المحدِّثين والمتكلِّمين في نهاية القرن الأوّل وأوائل الثاني ، حتّى قام البخاري بتأليف أسماه « خلق الأعمال ».
قال الشيخ المفيد : « إنّ الخلق يفعلون ، ويحدثون ، ويخترعون ، ويصنعون ، ويكتسبون ، ولا أطلق القول عليهم بأنّهم يخلقون ولا لهم خالقون ، ولا أتعدّى ذكر ذلك فيما ذكر الله تعالى ، ولا أتجاوز به مواضعه من القرآن ، وعلى هذا القول إجماع الإماميّة ، والزيديّة ، والبغداديّين من المعتزلة ، وأكثر المرجئة ، وأصحاب الحديث ، وخالف فيه البصريّون من المعتزلة ، وأطلقوا على العباد أنّهم خالقون ، فخرجوا بذلك من إجماع المسلمين » (١).
أمّا القرآن فلم يصف فعل الإنسان بما هو فعله من دون أن يحدث هيئة أو تركيباً بالخلق إلاّ في مورد واحد ، قال سبحانه : ( إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْثَاناً وتَخْلُقُونَ إِفْكاً ) ( العنكبوت / ١٧ ) مع أنّه يحتمل أن يكون الخلق فيه بمعنى الكذب.
قال في اللّسان : « الخلق : الكذب. وخلق الكذب والإفك : افتراه ، ابتدعه. ومنه قوله سبحانه : ( وتخلقون إفكا ) ومنه أيضاً قوله سبحانه : ( إنْ هَذَا إِلاّ خُلُقُ الأوّلين ) أي كذب الأوّلين (٢).
نعم ، وصف القرآن عمل المسيح بالخلق ، لكن في مورد خاصّ وهو إحداث صورة وهيئة وتركيب في الخارج. فعندما جعل من الطّين كهيئة الطّير ، خاطبه سبحانه بقوله : ( وإذْ تَخلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِى فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتكونُ طَيراً بِإِذْنِي ) ( المائدة / ١١٠ ) وعليه يحمل قوله سبحانه : ( فَتَبَارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ خَالِقِينَ ) ( المؤمنون / ١٤ ).
وأمّا في غير هذه الصورة ، كالفعل المجرّد عن إحداث شيء مثل المشي والقعود ،
__________________
١ ـ اوائل المقالات : ص ٢٥.
٢ ـ لسان العرب : مادة خلق.