فلم يعهد توصيفه بالخلق ، وإنّما حدث هذا الاصطلاح ( أي خلق الأفعال والأعمال ) في أواخر القرن الأوّل وأوائل الثاني. ولأجل ذلك تنصرف الاطلاقات الواردة في القرآن الكريم من أنّه خالق كلّ شيء إلى غير أفعاله.
هذا من حيث القرآن. وأما اللّغة ، فالظاهر من « اللّسان » التفريق بين الخلق بمعنى الانشاء على مثال أبدعه ، والخلق بمعنى التّقدير ، والأوّل يختصّ بالله سبحانه ، والثاني يعمّه وغيره ، وعليه حملوا قوله سبحانه : ( أحسن الخالقين ) ( أي المقدّرين ).
قال في اللّسان : « الخلق بمعنى التقدير ، وخلق الأديم يخلقه خلقاً : قدّره لما يريد قبل القطع ، وقاسه ليقطع منه » (١).
ولأجل ذلك ، فالأولى في عنوان البحث مكان خلق الأعمال أن يقال : هل أفعال العباد مستندة إلى الله سبحانه فقط ، أو إلى العباد فقط ، أو إليهما معاً ، أو ما يشبه ذلك؟
١١ ـ إنّ الأبحاث العقليّة لا تدور مدار صحّة التّسمية. فسواء أصحّ توصيف أفعال العباد بالخلق أم لا ، ففعل الإنسان بما أنّه من الموجودات الامكانيّة ، لا يخرج من كتم العدم إلى حيِّز الوجود إلاّ بعلّة واجبة أو ممكنة منتهية إلى الواجب. فعلى الأوّل يكون فعلاً مباشرياً له ، وعلى الثاني يكون فعلاً تسبّبياً له.
وبذلك يظهر بطلان كلا المذهبين ، أمّا الجبر ـ وهو تصوير أنّ العلّة التامّة للفعل هو الواجب ـ فيلزم من كون الفعل الصادر من العبد فعلاً مباشريّاً للواجب ، وكيف يمكن أن يكون الأكل ، والشرب ، والمشي ، والقعود أفعالاً له مع انّ ماهيات هذه الأفعال واقعة بأعمال الجوارح من الإنسان.
وأمّا التفويض ـ وهو تصوير استقلال العبد في مقام الفعل والعمل ـ فلازمه كون الإنسان فاعلاً واجباً في مقام الفعل غير محتاج إلى الواجب في عمله ، ومرجعه إلى الثّنويّة في الاعتقاد ، والشرك في الفاعليّة.
__________________
١ ـ لسان العرب : مادة خلق.