فلا مناص من رفض القولين واختيار مذهب بين المذهبين الّذي يدعمه العقل ، والكتاب ، وأحاديث العترة الطاهرة. ومن أراد الوقوف على حقيقته فعليه بالمؤلفات الكلامية لأصحابنا الإماميّة.
١٢ ـ إنّ الجنوح إلى التّفويض لأحد أمرين أو كليهما :
ألف ـ كون الحادث في حدوثه محتاجاً إلى الواجب لا في بقائه. فإذا كان هذا حال الذات فيكون الفعل الصادر عنها غير مستند إليه بوجه أولى؟!
ب ـ لو كان الفعل مستنداً إلى خالق العبد ونفسه يلزم توارد القدرتين على مقدور واحد. ولأجل إيضاح حال كلا الدّليلين نبحث عن كلّ منهما مستقلاّ ً.
مناط الحاجة إلى العلّة هو الامكان لا الحدوث
إنّ هذا الأصل ( كون مناط الحاجة إلى العلّة هو الحدوث لا الامكان ) الّذي بنت عليها المفوِّضة نظريّتهم في أفعال العباد ، بل وآثار كلِّ الكائنات ، باطل من وجوه :
الوجه الأوّل : إنّ مناط حاجة المعلول إلى العلّة هو الامكان أي عدم كون وجوده نابعاً من ذاته ، أو كون الوجود والعدم بالنّسبة إلى ذاته متساويين ، وهذا الملاك موجود في حالتي البدء والبقاء. وأمّا الحدوث فليس ملاكاً للحاجة فإنّه عبارة عن تحقّق الشّيء بعد عدمه ومثل هذا ، أمر انتزاعيّ ينتزع بعد اتّصاف الماهيّة بالوجود ، وملاك الحاجة يجب أن يكون قبل الوجود لا بعده.
إنّ الحدوث أمر منتزع من الشّيء بعد تحقّقه ، ويقع في الدرجة الخامسة من محلّ حاجة الممكن إلى العلّة ، وذلك لأنّ الشيء يحتاج أوّلاً ، ثمّ تقترنه العلّة ثانياً ، فتوجده ثالثاً ، فيتحقّق الوجود رابعاً ، فينتزع منه وصف الحدوث خامساً. فكيف يكون الحدوث مناط الحاجة الّذي يجب أن يكون في المرتبة الاُولى ، وقد اشتهر قولهم : الشيء قرّر ( تصوّر ) ، فاحتاج ، فأُوجد ، فوجد ، فحدث.