وبعبارة ثانية : ذهب الحكماء إلى أنّ مناط الحاجة هو كون الشّيء ( الماهيّة ) متساوي النّسبة إلى الوجود والعدم ، وأنّه بذاته لا يقتضي شيئاً واحداً من الطّرفين ، ولا يخرج عن حدِّ الاستواء إلاّ بعلّة قاهرة تجرّه إلى أحد الطّرفين وتخرجه عن حالة اللاّاقتضاء إلى حالة الاقتضاء.
فإذا كان مناط الحاجة هو ذاك ( إنّ الشيء بالنّظر إلى ذاته لا يقتضي شيئاً ) فهو موجود في حالتي الحدوث والبقاء ، والقول باستغناء الكون في بقائه عن العلّة ، دون حدوثه ، تخصيص للقاعدة العقليّة الّتي تقول : إنّ كلّ ممكن ما دام ممكناً ، بمعنى ما دام كون الوجود غير نابع من ذاته ، يحتاج إلى علّة ، وتخصيص القاعدة العقليّة مرفوض جدّاً.
ويشير الحكيم المتألّه الشيخ محمد حسين الاصفهاني ( ١٢٩٦ ـ ١٣٦١ ) في منظومته إلى هذا الوجه بقوله :
والافتقار لازم الامكان |
|
من دون حاجة إلى البرهان |
لا فرق ما بين الحدوث والبقا |
|
في لازم الذّات ولن يفترقا |
الوجه الثاني : إنّ القول بأنّ العالم المادّي بحاجة إلى العلّة في الحدوث دون البقاء ، يشبه القول بأنّ بعض أبعاد الجسم بحاجة إلى العلّة دون الأبعاد الاُخرى. فإنّ لكلِّ جسم بعدين ، بعداً مكانياً وبعداً زمانياً ، فامتداد الجسم في أبعاده الثّلاثة ، يشكّل بعده المكاني. كما أنّ بقاءه في عمود الزّمان يشكّل بعده الزماني. فالجسم باعتبار أبعاضه ذو أبعاد مكانيّة وباعتبار استمرار وجوده مدى الساعات والأيّام ذو أبعاد زمانيّة ، فكما أنّ حاجة الجسم إلى العلّة لا تختصّ ببعض أجزائه وأبعاضه ، بل الجسم في كلِّ بعد من الأبعاد المكانيّة محتاج إلى العلّة ، فكذا هو محتاج إليها في جميع أبعاده الزّمانيّة ، حدوثاً وبقاء من غير فرق بين آن الحدوث وآن البقاء والآنات المتتالية ، فالتّفريق بين الحدوث والبقاء يشبه القول باستغناء الجسم في بعض أبعاضه عن العلّة. فالبعد الزّماني والمكاني وجهان لعملة واحدة ، وبعدان لشيء واحد فلا يمكن التّفكيك بينهما.
وتظهر حقيقة هذا الوجه إذا وقفنا على أنّ العالم في ظلّ الحركة الجوهريّة ، في تبدّل